الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي

بواسطة azzaman

مراقد أولاد وأتباع أهل البيت   (5)

الشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي

صلاح عبد الرزاق

 

السيرة والنشأة

هو الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي من كبار فقهاء ومحدثي الشيعة الامامية ومؤلف كتاب الكافي  الذي يعدّ من أهم المصادر الحديثية الأربعة عند الشيعة . وتتلمذ عليه كثير من كبار علماء الشيعة.

وُلد الكليني في النصف الثاني من القرن الثالث بقرية كُلَين على بعد (38) كيلو متراً من مدينة الري، الواقعة في جنوب العاصمة طهران , ولذلك يُعرف بالرازي نسبة إلى مدينة الري التي تتبع لها قريته. كما أنه ذهب لها في وقتٍ من الأوقات وسمع الحديث من مشايخ الري وروى عَنهم. كما عرف بـ(البغدادي) نسبةً إلى بغداد حيث انتقل إليها وتوفي ودُفن فيها. ومن ألقابه، (ثقة الإسلام) ويُعتبر من أشهرها، و(شيخ الأصحاب) فقد انتهت إليه رئاسة الشيعة الإمامية في أيام المقتدر العباسي، كما كان شيخ الشيعة بالري ووجههم. ويلقب كذلك بـ(شيخ المحدثين) باعتباره أحد أبرز علماء الحديث. عرف كذلك بـ(المجدّد)، فيُعد أحد المجددين في المذهب الشيعي الإمامي على رأس المئة الثالثة للهجرة. يُكنى الكليني بـ(أبي جعفر)، كما أن جميع أصحاب الكتب الأربعة  (الكليني، والصدوق، والطوسي) كلّهم يسمون بمحمد ويُكنّونّ بأبي جعفر.

أبوه هو الشيخ يعقوب الكليني، كان من العلماء المعروفين في كُلَيْن، وقبره معروف يزار فيها. وكانت أم الكليني من عائلة معروفة بالدين والعلم، فمنهم: جدها لأبيها إبراهيم الكليني المعروف بعلان، وعمها أحمد بن إبراهيم الكليني، وأبوها محمد بن إبراهيم الكليني، وأخوها علي بن محمد بن إبراهيم الكليني وهو خال الشيخ الكليني.

لم تحدد المصادر سنة ولادته، ولكنهم قالوا أن زمن ولادته يقارب زمن ولادة الإمام محمد بن الحسن المهدي (عام 255 هـ، /  869 م) وذكر السيد محمد مهدي بحر العلوم أنه أدرك بعض أيام الحسن العسكري، فيما ذهب السيد الخوئي إلى القول بأنّ ولادته كانت بعد وفاة الحسن العسكري وفي بدايات الغيبة الصغرى، فقال في كتابه (معجم رجال الحديث): (أقول: إن تاريخ تولد محمد بن يعقوب (قدس سره) مجهول، فلعل تولده كان بعد وفاة العسكري (ع).

تولَّى أبوه منذ صغره رعايته وتربيته، حيث علَّمه الأخلاق، وحسن السلوك، والآداب الإسلامية. وكان لخاله أثر في نشأته وتربيته.

دراسته في قم

نشأ الكليني في مدينة الري التي حوت جميع المذاهب من الإسماعيلية والأحناف والشافعية فضلًا عن الشيعة الإمامية، فكان على معرفة جيدة بآراء ونظريات تلك المذاهب الكلامية والفقهية. وإلى جانب ذلك قرر الخوض في مجال علم الحديث حفظاً وتدويناً متتلمذًا على كبار أساتذة الفن في مدينة الري كأبي الحسن أبي الحسن محمد بن جعفر بن عون الأسدي، ثم شدّ الرحال صوب مدينة قم لمواصلة الدراسة في مجال علم الحديث متتلمذًا على محدثيها ممن رووا عن العسكري والهادي مباشرة وبلا واسطة.

سفره إلى بغداد

تشير الشواهد التاريخية إلى أنّ الكليني قد هاجر إلى بغداد (سنة 327 هجرية / 393م ) وبقي فيها السنتين الأخيرتين من عمره حيث كانت بغداد تمثّل المركز العلمي للعالم الإسلامي، ومن الشواهد التي تدلّ على الانتهاء من كتاب الكافي قبل الدخول إلى بغداد أنّه لم يرو عن النواب الأربعة بلا واسطة مع معاصرته لهم، ولشهرة الكليني ومعروفيته رجع إليه الشيعة في الفتوى حتى وصفوه بـــ ثقة الإسلام

أساتذته

روى الكليني وسمع عن عدد كثير من علماء أهل البيت ورجالهم ومحدثيهم أمثال: أحمد بن إدريس القمي ، أحمد بن عبد الله بن أمية ، أحمد بن محمد الهمداني ، أبو عبد الله الكوفي ، أحمد بن ممد القمي ، أحمد بن مهران ، إسحاق بن يعقوب ، الحسن بن خفيف ، الحسن بن الفضل اليماني ،الحسين بن الحسن الأسود ، الحسين بن الحسن العلوي ، الحسين بن علي العلوي ، ابن عامر ، حميد بن زياد ، سعد بن عبد الله القمي ، أبو داود سليمان بن سفيان ، سهل بن زياد الأدمي الرازي ، أبو العباس الحميري القمي ، علي بن إبراهيم القمي ، علي بن الحسين السعد آبادي ، علي بن عبد الله الخديجي ، أبو الحسن الرازي الكليني. ، علي بن محمد بن أبي القاسم بندار ، ابن بنت أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، علي بن موسى بن جعفر الكمنداني ، القاسم بن العلاء ، محمد بن إسماعيل النيسابوري ، أبو العباس محمد بن جعفر الرزاز ، أبو الحسن الأسدي الكوفي ، الصفار القمي صاحب كتاب ( بصائر الدرجات) ، محمد بن الحسن الطائي ،

أبو جعفر الحميري القمي.

تلامذته والرواة عنه

روى عن الكليني فئة كثيرة من العلماء والرواة أمثال: أبو غالب الزراري ، ابن قولويه القمي ، هارون التلعكبري ، الشيخ الصدوق ، ابن أبي رافع الصيمري ، أحمد بن أحمد الكاتب الكوفي ، أحمد بن علي بن سعيد الكوفي ، أحمد بن محمد بن علي الكوفي ، عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز التنيسي ، علي بن أحمد بن موسى ، ابن زينب ، محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال الصفواني ، محمد بن أحمد بن محمد بن سنان ، محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني ، محمد بن علي ماجيلويه ، محمد بن محمد بن عاصم الكليني.

قالوا في الكليني

-الشيخ الصدوق: حدثنا الشيخ الفقيه محمد بن يعقوب رضي الله عنه.

- الشيخ الطوسي:  ثقة ، عارف بالأخبار

-أحمد بن علي النجاشي: محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني، وكان خاله علان الكليني الرازي، شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث، وأثبتهم، صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي في عشرين سنة.

-حسين عبد الصمد الحارثي : شيخ عصره في وقته ووجه العلماء والنبلاء. كان أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به.

-الطبرسي: من أجلّ رواة الشيعة وثقاتها.

-أبو القاسم جعفر ابن قولويه صاحب كتاب كامل الزيارات.

-العلامة الحلي: شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم.

-نور الله التستري: ثقة الإسلام ، وواحد الأعلام خصوصاً في الحديث ، فإنّه جهينة الأخبار ، وسابق هذا المضمار ، الذي لا يُشقّ له غبار ، ولا يُعثر له على عِثار.

-صدر الدين: أمين الإسلام ، وثقة الأنام ، الشيخ العالم الكامل ، والمجتهد البارع ، الفاضل محمّد بن يعقوب الكليني ، أعلى الله قدره ، وأنار في سماء العلم بدره.

-النووري الطبرسي: فخر الشيعة ، وتاج الشريعة ، ثقة الإسلام ، وكهف العلماء الأعلام ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ... الرازي ، الشيخ الجليل العظيم ، الكافل لأيتام آل محمّد عليهم ‌السلام بكتابه (الكافي).

-المير داماد: شيخ الدين ، وأمين الإسلام ، نبيه الفرقة ، ووجيه الطائفة ، رئيس‌ المحدّثين ، حجّة الفقه والعلم والحقّ واليقين ، أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني رفع الله درجته في الصدّيقين ، وألحقه بنبيّه وأئمّته الطاهرين.

-السيد ابن طاووس: الشيخ المتّفق على عدالته وفضله وأمانته محمّد بن يعقوب الكليني»[25]

-عباس القمي: الكليني هو الشيخ الأجل قدوة الأنام، وملاذ المحدثين العظام، ومروج المذهب في غيبة الإمام عليه السلام، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي الملقب ثقة الإسلام. ألف الكافي الذي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للإمامية مثله.

-الشيخ المفيد: إن كتاب الكافي من اجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة.

-الشهيد الأول:  كتاب الكافي في الحديث، الذي لم يعمل للإمامية مثله.

-علي الكركي: الكتاب الكبير في الحديث، المسمي بالكافي، الذي لم يعمل مثله...وقد جمع هذا الكتاب من الأحاديث الشرعية، والأسرار الدينية، مالا يوجد في غيره.

-محمد باقر المجلسي: أضبط الأصول وأجمعها، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها.

-الشهيد الثاني: الذي لا يوجد في الدنيا مثله جمعاً للأحاديث وتهذيباً للأبواب ، وترتيباً.

-الفيض الكاشاني: الكافي... أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها، لاشتماله على الأصول من بينها، وخلوه من الفضول وشينها.

-أغا بزرك الطهراني: اجل الكتب الأربعة الأصول المعتمدة عليه لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول.

أقوال علماء السنّة في حقه

-ابن الأثير: أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي، الفقيه، الإمام على مذهب أهل البيت، عالم في مذهبه، كبير، فاضل عندهم، مشهور.

-الذهبي: عالم الإمامية وصاحب المؤلفات المعروفة.

-ابن حجر العسقلاني: أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، من رؤساء فضلاء الشيعة في أيام المقتدر، وهو منسوب إلى كلين من قرى العراق..  وقال: وكان من فقهاء الشيعة، والمصنّفين على مذهبهم.

-ابن عساكر: من شيوخ الرافضة

-عبد الغني بن سعيد الأزدي: من الشيعة المصنفين.

مؤلفاته

لم تصلنا من مؤلفاته غي كتاب الكافي، ومن مؤلفاته المفقودة:

كتاب الرجال.

كتاب الردّ على القرامطة.

كتاب رسائل الأئمّة (ع).

كتاب تعبير الرؤيا.

موسوعة شعرية في مناقب وفضائل أهل البيت (ع).

فضل القرآن

الوسائل

كتاب الكافي وأهميته

«الكافي في الأصول والفروع» المشهور بِاسم «الكافي»، من أبرز كتب الحديث عند الشيعة يعد أكثر الكتب الأربعة اعتبارا، وهو من تأليف محمد بن يعقوب الكليني، ويشتمل الكتاب على ثلاثة أقسام: أصول الكافي، وفروع الكافي، وروضة الكافي، ويعد من أهم مصادر الحديث لدى الشيعة.

نقل الكليني أحاديث هذا الكتاب بأقل الوسائط؛ وذلك بسبب علاقته بأصحاب الأئمة وأن الأصول الأربعمائة كانت في متناول يده، واعتقد بعض علماء الشيعة بصحة جميع الروايات الموجودة في الكافي، واعترف البعض الآخر بوجود أحاديث ضعاف فيه.

وألفت حوله الكتب الكثيرة من الشروح والمختصرات والتعليقات وغيرها مما يتعلّق بعلوم الحديث ونقل بعض البحاثين أن عدد الكتب المؤلفة التي لها علاقة بالكافي بلغ أكثر من مائتي كتاب.

وجه تسمية الكتاب

هناك وجهان مشهوران لتسمية هذا الكتاب بالكافي ، الأول مستوحى من كلام الكليني نفسه، يقول: (كتاب كافٍ يجمع فيه من جميع فنون علم الدين) . والثاني أن عنوان الكتاب مأخوذ من عبارة شهيرة دون سند  من المهدي يقول فيها : (الكافي كافٍ لشيعتنا). وقد صدرت هذه العبارة حينما عُرض عليه (كتاب الكافي) فامتدحه وقال فيه كلمته الشهيرة .

سبب التأليف

ذكر النيسابوري سبب تأليف الكليني لهذا الكتاب: سأله بعض الشيعة من المناطق النائية تأليف كتاب الكافي لكونه بحضرة من يفاوضه ويذاكره ممن لا يثق بعلمه فألف وصنف.

وذكر الحر العاملي أيضا أن الكليني أجاب سائله على رسالته التي ترجو تأليف الكتاب، فكتب إليه : قد فهمتُ يا أخي ما شكوتَ من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة.. وما ذكرتَ أنّ أُموراً قد أشكلت عليك... وأنك لا تجد بحضرتك مَن تُذاكره وتفاوضه ممّن تثق بعلمه فيها. وقلت أنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السّلام، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها تُؤدّى فرائض الله وسُنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله. وقلتَ: لو كان ذلك رجوتُ أن يكون سبباً يتدارك الله بمعونته وتوفيقه إخواننا، ويُقبل بهم إلى مراشدهم.. وقد يسّر الله ـ وله الحمد ـ تأليفَ ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت. ومهما كان فيه من تقصير، فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة؛ إذ كانت واجبةً لإخواننا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكلّ مَن اقتبس منه وعمل بما فيه في دهرنا هذا وفي غابره إلى انقضائه).

عدد أحاديث الكتاب

قول آغا بزرك الطهراني: أن عدد أحاديثه ( 16000)

قول يوسف البحراني: أن عدد أحاديثه ( 16199 )

قول محمد باقر المجلسي: أن عدد أحاديثه ( 16121)

قول حسين علي محفوظ: أن عدد أحاديثه ( 15176)

قول عبد الرسول الغفار: أن عدد أحاديثه ( 15503)

خصائص الكتاب

استفاد الكليني في زمان تأليف الكتاب من «الأصول الأربعمائة» حيث كانت في متناول يده.

يروي الأحاديث بأقل الوسائط بسبب لقائه بأصحاب ائمة الشيعة أو من يروي عن الأصحاب.

ساعدته معاصرته للنواب الأربعة في تنقيحه للأحاديث التي يرويها.

فهرس الكتاب

یشتمل كتاب الكافي علی ثلاثة أقسام: الأصول والفروع والروضة:

أصول الكافي

-كتاب العقل والجهل ، كتاب فضل العلم ، كتاب التوحيد ،كتاب الايمان والكفر ، كتاب الدعاء ، كتاب الحجة ، كتاب فضل القرآن ، كتاب العشرة

 

فروع الكافي

 

-كتاب الطهارة ، كتاب الحيض ، كتاب الجنائز ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة والصدقة ، كتاب الصيام ، كتاب الحج ، كتاب الجهاد ، كتاب المعيشة ، كتاب النكاح ، كتاب العقيقة ، كتاب الطلاق ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، كتاب الصيد ، كتاب الذبائح ، كتاب الأطعمة ، كتاب الأشربة ، كتاب الزي والتجمل والروة ، كتاب الصيد ، كتاب الدواجن ، كتاب الوصايا ، كتاب المواريث ، كتاب الحدود ، كتاب الديات ، كتاب الشهادات ، كتاب القضاء والأحكام ، كتاب الايمان والنذور والكفارات.

 

 

 

 

روضة الكافي

وتشتمل على أحاديث متنوعة ولا يضمها ترتيب معين بل وإنما هي ذات مواضيع مختلفة، ولكن هناك من يرى أن الروضة ليست قسما من كتاب الكافي لكن النجاشي والطوسي  صرحا بأن الروضة هي آخر كتب الكافي وتشمل :

تأويل وتفسير بعض آيات القرآن الكريم ، وصايا وإرشادات الأئمة الأطهار ، الرؤيا وأنواعها ، الأوجاع وعلاجها ، كيفية خلق عالم الوجود وبعض ظواهره ، تاريخ بعض الأنبياء ، فضيلة الشيعة ومسؤولياتهم ، بعض قضايا تاريخ صدر الإسلام وزمان خلافة أمير المؤمنين (ع) ، الامام الحجة (عج) وصفاته ، وكذلك أصحابه وخصائص عصر الظهور ، تاريخ بعض الصحابة والشخصيات. •

 

 وفاته ومكان قبره

توفى الكليني ببغداد سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين وقيل ثمان وعشرين، في شعبان سنة تناثر النجوم، والمقارن لبدء الغيبة الكبرى عن عمر ناهز الثانية والسبعين. وقال النجاشي والشيخ الطوسي: (وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة في مقبرتها)، وقال ابن عبدون: (رأيت قبره في طريق الطائي، وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه). وقال محمد باقر الخوانساري: (والقبر الشريف في شرقي بغداد، في تكية المولوية، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر المشهور، تزوره العامة والخاصة).

ذكر المؤرخ محمود شكري الآلوسي في كتابه (تاريخ مساجد بغداد وآثارها) وذكر (إن بناء القبر على هذا الوضع ينبيء إنه مشهد قبر لأحد الخلفاء إذ كان هذا الموضع مقبرة لبني العباس كما ذكر بعض المؤرخين، وكان المسجد من مرافق المدرسة ومتمماتها فمن المحتمل أن يدفن فيه باني المدرسة المذكورة بل هو الظاهر ومن البعيد أن يدفن فيهِ الإمام الكليني أو الزاهد الحارث المحاسبي الذي لا يملك دينارًا ولا درهمًا، وكان أهل العلم والورع في ذلك العصر يتجنبون زخرفة القبور، ومن البعيد أن يصرف غير الخليفة على عمارة مرقده نحو عشرة آلاف دينار فلابد أن يكون ذلك لأحد الخلفاء). (١) ويكرر هذا الكلام عدد من المؤرخين حيث يقول صاحب (خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد) : وقد سمعت من شكري أفندي الآلوسي أنه قبر المستنصر العباسي باني المستنصرية ، لأنه يقول إن سرداباً يُحفر ويُبنى هذا البناء المحكم بقبة يسامت رأسها سطح الأرض ، وحجرة بهذه الصنعة والاتقان ، لا يمكن أن يبنى كل ذلك إلا لرجل رفيع المنزلة ، غني مقتدر على هذا البناء ، والمحاسبي أو الكليني لاا يمكن أن يُبنى لأجلهما مثل هذا ، لما يُعرف من فقرهما وحالهما . ولم يروِ أحد من المؤرخين بناء هذه التربة لهما. والذي أراه أنه واهم في ظنه ، فإن مقبرة الخلفاء هي بظاهر محلة الرصافة ، ومحلة الرصافة تلاصق محلة أبي حنيفة التي فيها قبره -الأعظمية- وأين الرصافة من هذا المكان؟ (٢)

كما رد العلامة مصطفى جواد كلام الآلوسي أعلاه بقوله : (وذكر السيد محمود شكري الآلوسي أنه قبر أبي جعفر المستنصر بالله باني المدرسة (المستنصرية)، والصحيح أنه دُفن في تُرب الخلفاء العباسيين في محلة الرصافة.) ولم يذكر مصطفى جواد من هو صاحب القبر بل بقي غير متأكد فكتب (وصاحب هذا القبر مجهول ، والظاهر أنه أحد شيوخ الطريق المولوية المتأخرين). (٣)

ونقل مصطفى جواد عن كتاب (الرجال) ص ٢٩٧-٢٩٨ لمحمد بن إسماعيل المدعو بأبي علاء المولود في كربلاء سن (١١٥٩ هـ /١٧٤٦م ) قوله (وقبره (الكليني) معروف في بغداد الشرقية مشهور ، تزوره الخاصة والعامة في تكية المولوية ، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر، نقل صاحب كتاب (روضة العارفين) عن بعض الثقات المعاصرين له أن بعض حكام بغداد رأى بناء قبره -عطر الله مرقده- فسأل عنه فقيل إنه قبر بعض الشيعة ، فأمر بهدمه ، فحفر القبر فرُئي بكفنه لم يتغير (كذا) ومدفون مع آخر صغير بكفنه أيضاً ، فأمر بدفنه وبنى عليه قبة ، فهو إلى الآن قبره معروف يزار ومشهد). (٤)

والغريب أن العلامة مصطفى جواد قد نفى أن يكون القبر للخليفة المستنصر بالله ، ولا قبر الحارث المحاسبي و ولا قبر الكليني ويرد كل الروايات والمؤرخين (الشيخ الصديقي الدمشقي ، الشيخ مرتضى النظمي البغدادي ، عيسى البندينجي ، محمد باقر الخونساري ، أبو العباس احمد بن علي النجاشي ، ومرتضى الزبيدي (صاحب تاج العروس) ، لكنه يرجح أن يكون القبر لـ (عز الدين أبي محمد الحسن بن القاسم بن هبة الله النيلي المالكي ) التوفي سنة ٧١٢ هـ المدرس في المدرسة المستنصرية وقاضي قضاة العراق في عهد السلطانين الأخوين محمود غازان ومحمد أولجايتو خربنده ابني أرغون ابن أباقا بن هولاكو. (٥)  لكنه اعتمد رواية (ابن الفوطي) لمجرد أنه تحدث عن سيرة النيلي وذكر أنه توفي في شعبان (سنة ٧١٢ هـ / ١٣١٢ م)، ودفن بدار القرآن المستنصرية. ثم يقول مصطفى جواد (وذلك أدعى إلى القبول لأنه كان مدرساً بالمدرسة المستنصرية) ، أي مجرد ترجيح رواية واعتماد قول واحد. ولم يوضح هل أن دار القرآن كان مقبرة لمدرسي المدرسة المستنصرية؟ ولماذا دفن فيها مدرس واحد فقط؟ ولماذا لم يُدفن فيه شيوخ الطريق المولوية ، مع أنه رجّح أولاً أن يكون القبر لأحد شيوخ المولوية (٦)

أما قول محمود شكري الآلوسي أن فقر حال الكليني يبعد القول أن قبراً فخماً قد بُني له فهو أمر مستغرب. ألم يشاهد الألوسي قبر المتصوف الفقير عبد القادر الكيلاني الذي صار ضريحاً كبيراً ومسجداً رائعاً؟ ألم يشاهد قبر الفقيه أبي حنيفة الذي صار معلماً إسلامية في بغداد؟ ألم يشاهد قبر المتصوفة الزهاد عمر السهروردي ومعروف الكرخي كيف أعتنى بها أتباعهم وبنوا لهم مراقد وأضرحة واهتموا بها على مر العصور؟

من جانب آخر أن الكليني توفي (عام ٤٤٩ هـ / ١٠٥٧ م ) ودفن في هذا الموضع ، في حين تم إنشاء المدرسة المستنصرية (عام ٦٣١ هـ / ١٢٣٣ م) ، أي بعد وفاة الكليني بقرنين من الزمان ، فكيف أنشئت دار القرآن وفي المكان قبور؟ كما آن مصطفى جواد سبق أن ذكر أنه يوجد أكثر من قبر في هذا المكان.

 

جامع الآصفية أو المولوية

يقع قبر الكليني في الجامع المعروف بالآصفية مجاور الجسر. وكان هذا الجامع قديماً ثم اتخذه شيوخ الطريقة المولوية التابعين لمولانا جلال الدين الرومي (٦٠٤-٦٧٢ هـ / ١٢٠٧- ١٢٧٣ م) ، زاوية لهم فسُمّي الموليخانه. ثم آل إلى الخرب ، واتخذت مخزناً للجنود العثمانية ، ثم تداركه الوزير داود آصف باشا (معنى آصف هو خادم على اسم النبي خادم سليمان (ع)، فهدم البناء القديم وبنى مكانه خاناً وسوقاً ، ونقل التدريس إلى الجامع فسمي جامع الآصفية. وكانت دكاكينه ممتدة من الجهتين ، من باب الجامع التي تطل على طريق الجسر من جهة الغرب حي نهر دجلة، ثم أضيفت إلى الجادة عند فتحها.

ولما كمل بناء الجامع ، أرّخ بالأبيات الآتية وكتب بالكاشي القاشاني ، ووضعت فوق السوق المقابلة للجسر:

وجامع جسر جرّد الدهر جيشه *** على ربعه كُرهاً وسلَّ حسامه

وغادره بين الجوامع ثاكلاً *** ومفتقداً مأمومه وإمامه

وكم من وزير عالمٍ بحقوقه *** مكان أداء الفرض حطَّ خيامه

إلى أن تولى الأمر داود زاده *** إلى شرف قدماً أراش سهامه

جدارُ هدى مُذ كاد ينقض أرّخو*** (تصدى له داود ثم أقامه) (١٢٤١هـ / ١٨٢٦ م)

 

كما كتبت أبيات تؤرخ لبناء الجامع وضعت على الباب الشرقية النافذة إلى المدرسة المستنصرية ، تقول:

ذا جامع كان قدماً لا شبيه له *** من حسن بنيانه والدهر بعثره

وكم من وزير أتى الزوراء ثم مضى *** ولا لغير خيام الجند صيّره

حتى أتى ذو العلى داود آصفنا *** من حل بالسبعة الأفلاك مفخره

فشاد أركانه من بعد ما انهدمت *** للعابدين ووشّاه وصوّره

ومُذ أتم غدا الداعي يؤرخه *** (ذا جامع بالندى داود عمّره (١٢٤٢ هـ / ١٨٢٧ م)

 

ولما تم بناء الجامع استدعى الوزير داود آصف باشا دعا العلماء والوجهاء لافتتاحه ، استشارهم في فتح باب أخرى فأشاروا عليه بفتح الباب الشرقية، فأنشد الشاعر صالح التميمي:

آثار داود آثار بها لبست *** بغداد حسناً يروق العين واضحه

تشكو الرصافة قدم ضيق مسلكها *** ويكره الضيق غاديه ورائحه

فامنحت بطريق لا زحام به *** وباب جسر حُبي بالنصر مانحه

يخاطب الفَلَك الأعلى كأن به *** شوق إلى المشتري يبغي يصافحه

أعيا أبا جعفر المنصور حين بنى *** خط أبو يوسف المنصور رابحه

داود من أيّدت بالنصر دولته *** وعن لسان الثنا سارت مدائحه

لا زلت تسمع خيراً من مؤرخه *** (باب وداود رب الفتح فاتحه) (١٢٤٢ هـ / ١٨٢٧ م)

 

 ولما أتم إنشاء المئذنتين الواقعة إحداهما عن يمين المصلى والثانية عن يساره (حاليا توجد مئذنة واحدة) أرّخ ذلك بالأبيات الآتية وكتبت بالكاشي القاشاني فوق صدر المحراب الواقع في ساحة المسجد:

 

جامع داود قد عمَّره *** فغدت تحكيه فردوس الجنان

واستقامت للنفس أركانه *** بعد بعثرة طول الزمان

سمكه أعلاه ومن همته *** قد بدا في طرفيه علمان

جعلوا تاريخه الخيرات مذ *** شيد فيه أرّخوا (مئذنتان) (١٢٤٢ هـ / ١٨٢٧ م)

 

وفي سنة ١٣١١ هـ / جرى تعمير المحراب وكتب في وسطه في الكاشي القاشاني هذان البيتان:

قرة عيون المؤمنين بقبلة *** سطعت أهله رشدها بهداها

فلفضلها نادي الأحبة أرّخوا *** (لنولينك قبلة ترضاها) (١٣١١ هـ / ١٨٩٣ م)

 

وعندما أجرى التعمير في وسط حرم المصلى ، وكتب على صدر المحراب قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً).

 

سقوط المنارتين

في عام ١٩١٣ هبت ريح عاصفة فأطارت القسم الأعلى من المنارتين إلى حد الحوض ، ورمت بها إلى الأرض. ولما شاهد الشاعر خيري أفندي الهنداوي قال:

ومن المعجبات والعجائب حجة *** أمر عرى من الأمور النادر

وإذا رأيت البرق سلَّ حسامه *** أرّخ (وكل رأس منارة طائر) (١٣٣٢ هـ / ١٩١٤ م)

 

ولم يحدث سقوطهما أي ضرر لمارة ، لكن حجراً أصاب  رأس الشاعر عبد الرحمن البناء (ت ١٩٥٥ م) فشجّه فقال عبد الرحمن الشاعر المصري المعروف بالهندي الوندي صاحب جريدة (عفريت حمارة) مقطوعة وبيت التاريخ يقول: وأرّخ (فرأس الشاعر البنا شجا ) (١٣٣٢ هـ /  ١٩١٤ م)

 

بقيت المنارتان على حالتهما متروكتين إلى سنة (١٣٤٠ هـ / ١٩٢١م) ، فهُدمت التي من الجهة اليمنى عن القبلة ، وبنيت الثانية مجدداً بحوضين دلالة على وجود منارة أخرى مثلها. وكُتب عليها بالخط الكوفي (بسم الله الرحمن الرحيم). وقد أضيئت بالكهرباء ، وعُمّر ما انهدم من سورها حين توسيع الشارع العام المواجه للجامع. وأضيفت دكاكين أخرى ، وأنشئت سقاية عند الباب من جهة الشارع الموصل للجسر. وكتب عليها قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء). وتم تعمير الباب المقلوعة ، وكُتب على صدرها بالخط الكوفي قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) سنة ١٣٤١ هـ / ١٨٢٦ م ) . وفوق هذه الكتابة بصدرها الأعلى كتب: (في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، يُسبّح له فيها بالغدو والآصال. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) (سنة ١٣٤١ هـ / ١٨٢٦م ). (٧)

 

زيارتي لمرقد الكليني

في ٣ شباط ٢٠٢٣ تشرفت بزيارة مرقد الشيخ الكليني وكان معي ثلة من الأصدقاء وهم د. عدنان السراج ، د. جاسم الموسوي ود. ميثم اللامي. استقبلنا أمين المرقد الشيخ شهاب الشويلي بالحفاوة وشرح لنا تاريخ المرقد وإعماره

 يقع المرقد في بداية شارع النهر ، ويفصله عن سوق السراي وجامع الوزير المقابل الشارع الموصل بين جسر الشهداء وتمثال الرصافي. والجانب الشمالي من المرقد يحاذي الجسر . في حين يجاور الجدار الجنوبي للمدرسة المستنصرية. ويطل الجدار الغربي على نهر دجلة، والجدار الشرقي ينفتح على سوق شارع النهر.

 

للمرقد قبتان كبيرتان مكسوتان بالقاشاني الأزرق ، وقبة ثالثة أصغر حجماً فوق الضريح ، ومكسوة بالقاشاني الأزرق أيضاً.

 

في المدخل الخارجي للمرقد توجد داخل بوابة عالية على هيئة وحراب ذي قوس مدبب ، ومقرنصات مزينة بقطع من القاشاني الملون. وأعلى الباب من الجهة الخارجية توجد لوحة حديث كتب عليها (ديوان الوقف الشيعي ، الأمان العامة للمزارات الشيعية الشريفة ، مرقد الشيخ الكليني (قدس)). وعلى الجانب الأيمن كتابة عمودية تقول (مرقد الشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي) . وعلى الجهة اليسرى مكتوب (مرقد الشيخ الكليني يرحب بالزائرين الكرام). 

 

وفوق الباب توجد كتابة بالكاشي القاشاني الأزرق وبخط كبير الحجم جاء فيها:

 (بسم الله الرحمن الرحيم إن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً.

 مرقد الشيخ الكليني (قدس) المتوفى (سنة ٣٢٩ هجرية / ٩٤١ م)

 

وحول الكتابة إطار خشبي مزخرف كتب في أعلاه (قال الامام المهدي عج) ، وفي الأسفل كتب (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا).

 

بعد اجتياز البوابة تدخل في فناء كبير مفتوح على السماء ، في وسطه ترتفع نخلة باسقة . بعد ذلك يواجهك إيوان عا


مشاهدات 1034
الكاتب صلاح عبد الرزاق
أضيف 2024/02/23 - 11:42 PM
آخر تحديث 2025/04/16 - 7:36 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 852 الشهر 17201 الكلي 10597848
الوقت الآن
الخميس 2025/4/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير