الإعتراف بالخطأ فضيلة
صبـاح الربيـعي
دائما ثمة فرق ، بين الحرص والدقة في العمل ، وبين التمسك بالخطأ على حساب الحقيقة والنزاهة ، فالمرء معرض للوقوع في الخطــأ ، طالما كان يعمل ويجتهد ، ولايوجد من يسلم من الوقوع في الخطأ ، فذلك هو المستحيل بعينه .. وبالنتيجة فإن : من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، بقصد او بدون قصد ، انه قانون حازم لعدالة الارض والسماء ، وبعد هذا وذاك ، فان الرأي الصحيح يحتمل الخطأ كما ان الرأي الخطأ يحتمل ان يكون صحيحا ! وعلى الدنيـــا السلام والمحبة ، ولاحاجة للأنكفاء والتظاهر بعدم الرضا المطلق ، النجاح ميسور لأولي العزم والارادة ، ولدينا جميعا في رسول الله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أسوة حسنة في التواضع واعطاء كل ذي حق حقه بالتمام والكمال ، فالمرء حين يريد ان يكون ناجحا عليه ان يدرك بان المجال متاح للجميع وبوجود اشتراطات لابد من توفرها لتحقيق هذا الهدف المشروع . ان النجاح ليس اقوالا وادعاءات ملونة فارغة ، نطلقها هنا وهناك . انه جهد واصرار وحبات عرق تتفصد على الجبين ! وكل هذا يجب ان يتوحد لتحقيق ما نسعى اليه من اهداف نبيلة . الدنيا ليست ساحة عرض مسرحي ، انها احتدام الزمان والمكان مما يمكن ان تتأتى منه في النهاية تباشير آمال عظيمة لحياة فضلى ، نحلم بها بقوة ، جيلا بعد جيل . النجاح ليس حكرا على أحد ولكنه يحتاج الى " أحد " بفكر وقيمة وإرادة ، وإلا ضاع كل شيء ، الخيط والعصفور معا ! .. ومما يمكن ان يروى هنا ، انه في ليلة شتائية وكنت مذيعا مكلفا بقراءة نشرة اخبار منتصف الليل في إذاعة بغداد ، وهي نشرة شاملة لأخبار اليوم ، ذهبت الى قسم الاخبار في الإذاعة وكان هناك المحرر الخافر ، الذي اعطاني النشرة للإطلاع عليها قبل قراءتها المباشرة على الهواء ، فأخذتها شاكرا .. وعند قراءتها وجدت ان احد الاخبار فيها كان محرَرا بشكل مغاير لما هو مطلوب ، فقلت له بلطف ، إن الخبر الخاص بالكونغرس الاميركي غير صحيح ومطبوع بشكل معكوس . هنا ، ثارت ثائرة المحرر الخافر ، ورفض ملاحظتي جملة وتفصيلا ، بل وسحب النشرة من يدي ، وقال لي : غير مسموح لك ان تغير حرفا واحدا ، انت هنا مذيع وواجبك ان تقرأ الاخبار كما تقدم اليك ! ولا اقبل اي نقاش في الموضوع ! ولما حاولت لن اثنيه عن قراره المفاجيء إزداد تعنتا واصرارا على موقفه الغريب ، فتركته وغادرت صالة الاخبار ، وطلبت من احدى الزميلات الخافرات قراءة نشرة الاخبار بدلا عني ، وكنت حينها رئيسا لقسم مذيعي الإذاعة ، فذهبت وهي لاتعرف سببا لهذا التغيير المفاجيء ! وذهبت الى مدير مكتب المدير العام لأخبره بما جرى ، وقلت له ان الزميل " فلان " يمر اليوم بأزمة نفسية والافضل هو استبداله ، فهو رفض تعديل خبر ، لااحد سيعرف من الذي عدله ولماذا ! وكان غاضبا ومتوترا للغاية ، كان الحل بالنسبة لي ، هو الابتعاد عنه ، وهذا ماحصل ، ولكنه حضر امام المسؤول الخافر قائلا له إنني تجاوزت حدودي في تغيير " سياق الاخبار " وكانت تلك رواية هشة لم تقوَ على الصمود .. وفي اليوم التالي ، وعند حضوري صباحا الى الدوام ، تسلمت كما هي العادة يوميا الصحف اليومية الثلاث من قسم الاستعلامات ، وذهبت ابحث عن " الخبر " اساس مشكلة الامس فوجدته قد عـُدل في النسخ الثلاث ، مما يؤكد ان الزملاء الخافرين في وكالة الانباء العراقية تنبهوا الى ذلك وعدلوا الخبر..فارتحت حقـــــا ..ودخلت الى مكتب مدير عام الإذاعات الذي كان بانتظاري لمعرفة واقع ماجرى بالامس ، وكان المحرر الخافر قد اتصل بالمدير العام ليلا وشكاني عنده بتهمة التجاوز بالعمل وسياقاته .وكان المدير العام واثقا من روايتي للموضوع ووقف الى جانبي ، خاصة بعد ان تأكد من تصحيح وكالة الانباء العراقية للخبر مما يؤكد صوابية وجهة نظري . هنا قال لي السيد المدير العام : لنقطع علاقته بالدائرة ،وكان يعمل على نظام القطعة / الاجور وليس موظفا ثابتا ، فرفضت هذه الفكرة تماما ،مؤكدا أن قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ، ويمكن الإكتفاء بتبيهه شفويا والاستمرار بعمله فلا علاقة لعياله بتصرفه الغريب الذي لم اعرف بواعثه حتى اليوم ! وللأمانة فان المحرر المعني كان جيدا في عمله عموما ، لكنه تلك الليلة لم يكن على مايرام ، فتصرف بما يحسب ضده وليس له . العمل المخلص يحتاج الى سعة صدر وقلب قادر على احتمال العثرات وما يعرقل المسيرة الى الكمال..والفضيلة التي ننشدها جميعا !