إنتخابات تشريعية مبكّرة وسط هيمنة الأحزاب التقليدية
القوات الأمنية والنازحون يدلون بأصواتهم
بغداد-(أ ف ب) - انطلقت في العراق أمس الجمعة عملية التصويت الخاص للقوات الأمنية والنازحين والمساجين، قبل يومين من انتخابات تشريعية مبكرة يرى خبراء أن نسبة المشاركة فيها ستكون ضئيلة.في العاصمة بغداد حيث نشر عدد كبير من القوات الأمنية في محيط مراكز الاقتراع، شاهد مصور فيديو في وكالة فرانس برس العشرات من طلاب الكلية العسكرية يقفون بالصف داخل مدرسة للتصويت، واضعين كمامات على وجوههم ومرتدين قفازات للوقاية من الوباء.وفتحت صناديق الاقتراع عند الساعة السابعة.
ودعي أكثر من مليون عسكري وعنصر أمن، في كافة المؤسسات الأمنية، للمشاركة في الاقتراع، الذي يشمل أيضاً 120 ألفاً و126 نازحاً، يقطن بعضهم نحو 27 مخيماً ويفوق عددهم الإجمالي المليون نازح.فضلاً عن الانتشار الأمني الكثيف في شوارع العاصمة، قامت القوات المسلحة العراقية بطلعات جوية بطائرات حربية سمعت أصواتها صباحاً في أجواء بغداد، بهدف "تأمين الانتخابات البرلمانية"، كما قالت خلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الداخلية في بيان.
مراكز إقتراع
وعرضت قناة الإخبارية الرسمية من جهتها صوراً من أكثر من مركز اقتراع أظهر العشرات من العسكريين وعناصر الأمن يصطفون بانتظار دورهم للتصويت. في المقابل، لم يُشمل الحشد الشعبي بترتيبات التصويت الخاص في الانتخابات النيابية المبكرة على غرار القوات الأمنية، بل سيصوت عناصره في الموعد العادي غداً الأحد. وتقدم السلطات هذه الانتخابات التي كان موعدها الطبيعي في العام 2022 على أنها تنازل للمتظاهرين الذين نزلوا أواخر العام 2019 إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام. ولأسابيع، ندد عشرات الآلاف بالفساد المزمن والاقتصاد المتهالك ونقص الخدمات. لكن الانتفاضة تعرضت لقمع شديد، وتراجعت بشكل كبير مذاك.يوجد أكثر من 3240 مرشحاً في هذه الانتخابات على مقاعد البرلمان الـ329. وتجري الانتخابات وفق قانون انتخابي جديد يرفع عدد الدوائر وينص على تصويت أحادي، ما يفترض أن يشجع المستقلين والمرشحين المحليين.ويتوقع خبراء نسبة مقاطعة قياسية ما بين الـ25 مليون ناخباً. واختارت غالبية التيارات المنبثقة عن الاحتجاجات أو ناشطين مقاطعة الانتخابات، منددين بهيمنة مناخ غير ديموقراطي على العملية.وفي الأشهر الأخيرة، تعرض العشرات من الناشطين للخطف أو الاغتيال أو محاولة الاغتيال، متهمين مجموعات مسلحة بالوقوف خلف تلك العمليات.يرى خبراء أن الأحزاب نفسها ستبقى مهيمنة على المشهد السياسي في ختام العملية الانتخابية.
ويتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع غداًالأحد للمشاركة في انتخابات نيابية مبكرة هي نتيجة انتفاضة شعبية هائلة قاموا بها قبل عامين، لكن لا يتوقع أن ينتج هذا الاستحقاق التغيير الذي حلم به كثيرون قبل سنتين في بلد غارق بالأزمات.وسط معاناتهم من تبعات حروب متتالية وفساد مزمن وانتشار للسلاح وفقر رغم الثروة النفطية، ينظر العراقيون ومن بينهم 25 مليون ناخب، بتشكيك ولا مبالاة إلى الانتخابات التي تجري وفق قانون انتخابي جديد.ويتوقع مراقبون أن تكون نسبة المشاركة ضئيلة في العملية الانتخابية التي كان موعدها الطبيعي في 2022 واعتبر تحديد موعد لها من التنازلات القليلة لحكومة مصطفى الكاظمي لامتصاص الغضب الشعبي إثر احتجاجات تشرين الأول 2019. وتراجعت الحركة الاحتجاجية إثر القمع الشديد وقيود احتواء الوباء، لكن في ذروتها، شارك بها عشرات الآلاف من الأشخاص احتجاجاً على الفساد والتدهور الاقتصادي وتراجع الخدمات العامة.ويقول الباحث رمزي مارديني المتخصص في الشأن العراقي في معهد "بيرسون" في جامعة شيكاغو إنه لا يبدو أن الانتخابات "ستكون عنصراً فاعلاً في التغيير" بعد عامين من الانتفاضة.ويضيف "كان يفترض بهذه الانتخابات أن تكون رمزاً للتغيير، لكن للمفارقة فإن من يدافعون عن هذا التغيير اختاروا المقاطعة احتجاجاً على عدم تغير الوضع الراهن".
يقاطع ناشطون ومتظاهرون الانتخابات، بعد أن تعرّض العشرات منهم خلال الأشهر الأخيرة للاغتيال أو محاولة الاغتيال، من دون أن يحاسب منفذو هذه العمليات، ما عزّز فكرة "الإفلات من العقاب".وتجري الانتخابات التي اعتبرها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي "فرصة تاريخية للتغيير"، وفق قانون انتخابي جديد، على أساس التصويت الأحادي مع رفع عدد الدوائر إلى 83 من أجل تشجيع المستقلين والمرشحين المحليين الى البرلمان البالغ عدد أعضائه 329 على خوض الانتخابات. لكن خبراء يرون أن التيارات السياسية نفسها لا تزال تهيمن على المشهد السياسي.وسيتمّ نشر أكثر من 250 ألف عنصر أمن يوم الاقتراع. ففي بلد منقسم تملك غالبية الأحزاب فيه فصيلاً مسلحاً، توجد مخاوف من احتمال حصول عنف انتخابي في حال لم تتوافق النتائج مع طموحات الأطراف المشاركة.بدأ الانتشار الأمني منذ الجمعة، يوم التصويت الخاص بالقوات الأمنية والنازحين والمساجين. وفي العاصمة بغداد حيث نشر عدد كبير من القوات الأمنية في محيط مراكز الاقتراع، شاهد مصور فيديو في وكالة فرانس برس العشرات من طلاب الكلية العسكرية يقفون بالصف داخل مدرسة للتصويت، واضعين كمامات على وجوههم ومرتدين قفازات للوقاية من الوباء.تبقى المفاوضات التي ستلي إعلان النتائج من أجل اختيار رئيس للوزراء يقضي العرف بأن يكون شيعياً، أبرز التحديات، في برلمان يتوقع أن يكون مشرذماً.وفي بلد قائم على التسويات السياسية، ينبغي على القوى الأساسية وضع خلافاتها على ملفات عدة من الوجود الأميركي إلى نفوذ الجارة إيران، جانباً، للتفاوض على اسم جديد لرئاسة الحكومة، في عملية قد تتطلب أشهراً. وقد تمّ اختيار الكاظمي بعد خمسة أشهر من المفاوضات.
تمثيل الكتل
ويشرح المحلل السياسي العراقي علي البيدر لفرانس برس أن "الأمر مرهون بالمحصلة بمستوى تمثيل الكتل لا سيما داخل البيت الشيعي"، في إشارة خصوصاً إلى التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الأوفر حظاً في هذه الانتخابات. ويطمح الصدر، وهو زعيم فصيل مسلح سابقاً ويقدّم نفسه على أنه المناهض الأول للسياسيين الفاسدين، لتحقيق نتائج تتيح له اختيار رئيس للحكومة من دون عوائق.في المقابل تعزّز نفوذ خصومه الأبرز المتمثلين بالفصائل الموالية لإيران الساعية إلى زيادة تمثيلها في البرلمان الذي دخلته للمرة الأولى في العام 2018 ضمن تحالف "الفتح" بـ48 نائباً، مدفوعةً بانتصاراتها ضد تنظيم الدولة الاسلامية. ويرى البيدر أن القوى الموالية لطهران "تحاول العمل بشكل واضح للحفاظ على المكتسبات التي حققتها في المراحل السابقة". في الأثناء، دخل تحالف "تقدّم" برئاسة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي المنافسة بقوة في المناطق السنية كالموصل ومحافظة الأنبار، ما يجعل منه لاعباً لا يمكن تفاديه. وينبغي على القوى السياسية تجاوز خلافاتها والاتفاق على اسم رئيس وزراء يكون مقبولاً من الجميع تفادياً للنزاعات، لكن على المرشح المستقبلي أن يحظى بمباركة واشنطن وطهران أيضاً.
ويقول مارديني "يحتمل أن تنشأ خلافات أولية بين القوى الشيعية، لكن ذلك ليس سوى تكتيك للمساومة بين أطراف النخبة التي ستفضي بالنهاية إلى توافق". ويضيف "يبقى تشكيل الحكومة بيد الأحزاب السياسية وقادتها. لا يمكن للمستقلين إلا أن يكونوا مجرد ملحق سطحي في العملية".وقد يزيد ذلك من حظوظ الكاظمي الذي نجح في "الحفاظ على علاقات جيدة مع لاعبين داخليين وخارجيين أساسيين"، وفق مارديني. ورغم أن "الكتل الموالية لإيران لا تفضل الكاظمي، لكنها ستقبل به مقابل خيار آخر قد يكون أشدّ وطأة على العلاقة مع طهران"، كما يرى البيدر.وللكاظمي علاقات جيدة مع كل من حليفي العراق الخصمين في ما بينهما: طهران وواشنطن.ومهما كان شكل الحكومة المقبلة، لن يغير ذلك شيئاً بالنسبة جواد الذي خسر ابنه علي قبل عامين في التظاهرات. وبعدما شارك في تظاهرات الأول من تشرين الأول في الذكرى الثانية للانتفاضة، يقول الرجل إنه سيقاطع الانتخابات. ويروي لفرانس برس من ساحة التحرير في بغداد التي كانت مركز التظاهرات "قتل ابني على يد الميليشيات اللعينة التي تتشكل منها الحكومات الفاسدة التي تقود العراق".في الساحة حيث قتل المئات خلال قمع الاحتجاجات الذي خلف 600 قتيل وأكثر من 30 ألف جريح، يوجد اليوم انتشار كثيف لقوات الأمن، وسط العديد من اللافتات والشعارات الانتخابية.