قصيدة القيامة

عبد المنعم حمندي

 

كم حسرةٍ  في الرافدينْ

كَبُرت معي ، والحزنُ يَكبُرُ مرّتيَنْ

حتى تشابكت الطفوفُ بمذبحَيَنْ

رأسُ العراق على القَنا ،

 وأمامهُ رأس الحُسينْ

....

 نهران من دمع النخيل

وفي البكاء المرّ 

قام الميتونْ

واستنفروا  المدنَ القديمة والمدى

والتين والزيتون ، والبلد الأمين ،

وذلك الزمن الخؤًًونْ

فأخفض جناحك للجنونْ

مطر الرماد على الجفونْ

أَحْلَى إِلَيَّ مِنَ المُنى،

هذي السماء ، الأفقُ والألوانُ ان نزلت ،

ستنزلُ في سحاب المعتمات من النجومْ

والشمسُ أعجب في عمايَ ،

فهل عماي الضوءُ أم أخفى الظلّال

 لكي تراني ظُلمتان ..حين أسجدُ أو أقومْ ؟

كم نجمةٍ مرّت بِهذا الليل، تلمعُ في الغيومْ

كم نخلةٍ عطشى بمنعطف الفلاةِ ،

  آخر العبرات تزحرُ  بالهمومْ

ولربما الأحلام ازمنةٌ

 تنامُ بدمعةٍ حنّت لواعجها  الى فلك الغمومْ

تنأى مع الريح السمومْ

يَبِسَ الفراتُ،  ونهرُ دجلة في وجومْ

تعبَ الدمُ .. تعب المؤبّنُ ،

  والعزاءُ مستمرٌّ ، ربّما القتلُ لَهُ  أمٌّ رؤومْ

....

الله ياشجرً اصطباري

الله ياوجَعَ التراب المستغيثِ من البذَارِ

في كلّ محتطبٍ توقّد بالشرارِ

طال انتظارك وانتظاري

ليلُ المصائب صخرةٌ

 من موجتين على انكساري

هل يستطيعُ الذئبُ أن يعوي بوجهِ الله

  في قيظ  البراري؟ 

أو حين تُذبح في النشيج المُرِّ  آياتُ اعتذاري

يا .. كم صبرت على الأسى

وأنا العنيد كموجةٍ  لا تستقيم

على مياهٍ في البحارِ

 

....

أين اتجاهك يا عمى ..؟

الأبواب مغلقةٌ  ..

وهذا  البحرُ صخرٌ 

والفضاءُ ليس لَكْ

 حتى السماء  استبدلت  حرّاسها وعيونها

فأخفض جناحَ الكبرياء

 اذا صَعدّتَ استنزلكْ

دَعْني أقفْ .. فوق خطاكَ  الهاربات

الى انفجارٍ  حالمٍ ، لمّا تشظّى استبدَلَكْ

ولعلَّ  موتكَ غيرُ ما قد كُنت ترسمُ

 في الدمارْ

لمْ تبقَ ريحٌ باكرٌ  ،

تتوسّلُ المطرَ الشحيح

لكي  تُعفّر في الغبارْ .

للحلم ذاكرةٌ تموءُ وراءنا ..

قرفَ  الثرى من جثّة الزمن المُعارِ

انقش لقبرك شاهداً أو نجمةً

تبقى تشع على النهارِْ

لا حرمةً للفجر بين ثعالبٍ ،

لا نبع للجَملِ المعمِّر في الفيافي ،

لا عواصف تستحي من صخرةٍ ..

قد تستظلُّ بها القفارْ .

الصمت أبلغ في الحوارْ !

 في الليل أغنيةٌ تحلّقُ في الكؤوسِ ،

وفي الرؤوسِ و في النفوسِ ،

فكلُّ مّنْ شرب الأمرّين استعارَ النارَ أقنعةً ،

وظنَّ بأنَّ مُضرمَها يَغارْ ..

....

اصعدْ الى الأعلى  بنور فراشتين من الغمامْ

 واخرجْ من إسار الليل

لا شيءَ يمنع أن تحلّق في الغرامْ

لا شيءَ يبقى والبلادُ  ترمّلت

 وتحطّمت وتشتّت الشجرُ الرخامْ

مابين بابل والشآمْ

شبقُ الطموح جراحنا

فاشربْ زُلالَ الماء من عطش الفصولْ

وانشرْ دماءَك في الحقولْ

وأكتبْ هواك مسّلة ً

حتى تفيقَ جهنمٌ أوتستنيرَ بك العقولْ

فمتى نحدّق في الأفقْ ؟

ونغادر الماضي المكدّسَ في رفوف الذاكرةْ

فمتى تشعُ عيونكم

ونعودُ نحلم بالفراش ؟

ونعودُ نحلمُ في غدٍ.. في كلِّ آتْ

ماضٍ  يعودُ وقد تناسل في الفراتْ

أرأيتَ  شكل العابرين الى المنافي والشتاتْ؟

لا ينفع الحطبُ العتيقْ

ولامواقد في الكهوف ،

النار ثلجٌ وابتهالٌ يستفيق ْ

انّ الرماد هو الرماد

عليكَ أن تجدَ العقيقْ

وليس للموتى سوى ليلٍ طويلٍ

في ثرى قبرٍ عميقْ

في فجر بابل ،

في القديم من الزمان

توحّد الكهّانُ واتفق الأئمةُ و الرواةُ

كانت مآثرهم تطلّ على فضاء واسعٍ

في اول التكوين   ،

 نهرُ حضارةٍ ونبوةٍ ،

 ولنا  الينابيعُ  الغمام ..

ولنا السقاية والسُقاةْ

يتقاسمون الخبز والمرعى ،

وما في الحرثِ من ثمر النَواةْ

والغيم إرث غامرٌ يُحيي الفِلاحةَ والرعاةْ

مضت الدهور ُ ، تناسلت فينا الحروبُ،

 ودبّ في الارض يبابٌ ،

كلّ شَيْءٍ معتمٌ ،

تعطي مقابلَ أن تعيش على فتاتْ

وتغوّل الحقد بِنَا  ،

ودماؤنا مرهونةٌ لمن يبيع ويشتري

في السوق ما بين الحواةْ ..

سَقَطَت على حبل الغسيل عقائدٌ حبلى  ,

بنغلٍ غامضٍ ،

لم يُبقِ تذكارا نقيمُ له صلاةْ

فاسحبْ  خطاك  من الظلام 

من جيفة الدهماء ،

من شرّ الشياطين الغواةُ

يا أنتَ .. يا هذا الفراش الطَلق

لا تَرْضَى  بغير خميلةٍ تهفو إليكْ

أو غيمةٍ تُهمى عليكْ

هل تعرفُ المخبوء في قاع البحارْ ؟

بغداد مظلمةٌ

 وفي جنباتها صوبان منكسران

من طوق الاسارْ

نهر من الاحزان نارْ

ما زال يغسل شاطئيه من الشرارْ

 سكت المُغنّي والصدى صوت الجدارْ

لا تَذْكُرِ اللحن العجيبْ

مات المغنون الحزانى قبل موت العندليبْ

سأراك يا بغداد في حلمي

وفي قلبي أراك ِ

 أراك أجمل، عندما للحب تضحك مقلتاكِ

أو حين أجهشُ بالبكاء لكي أراكِ 

أولا أرى أمّاً سواكِ