الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
.صوت الإصلاح في التعليم والبحث العلمي

بواسطة azzaman

.صوت الإصلاح في التعليم والبحث العلمي

عبد الجليل البدري

 

في عامٍ تتسارع فيه التحولات العلمية والسياسية، برز اسم البروفسور محمد الربيعي كأحد أبرز الأصوات الإصلاحية في العراق والعالم العربي. لم يكن عمله مجرد نقد أكاديمي أو مقالات نظرية، بل مشروعًا متكاملًا يسعى إلى إعادة بناء مؤسسات التعليم والتربية والبحث العلمي على أسس من النزاهة والشفافية والابتكار. لقد تحرك بخطوات جريئة ليضع إصبعه على الجرح، ويكشف أن أزمة التعليم ليست أزمة موارد فقط، بل أزمة إدارة وحوكمة وإرادة سياسية.

في مجال التربية والتعليم الأولي، شدّد الربيعي على أن أي نهضة حقيقية تبدأ من المدرسة. كتب بوضوح أن الطالب العراقي والعربي يحتاج إلى بيئة تعليمية حديثة تُنمّي التفكير النقدي والإبداع بدلًا من الحفظ والتلقين. دعا إلى تحديث المناهج الدراسية لتواكب العصر، وإلى تدريب المعلمين على أساليب تربوية جديدة تجعل المدرسة فضاءً للتعلم الحقيقي لا مجرد مؤسسة لتلقين المعلومات. وأكد أن التربية هي الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء، وأن الاستثمار في السنوات الأولى من التعليم هو استثمار في مستقبل الأمة.

أما في التعليم العالي والبحث العلمي، فقد ركّز الربيعي على أن الجامعات العراقية والعربية بحاجة إلى ثورة في التفكير، لا مجرد إصلاحات شكلية. دعا إلى اعتماد معايير الجودة العالمية بدلًا من الانشغال بالكمّ في النشر الأكاديمي، وأكد أن البحث العلمي يجب أن يكون أداة لحل مشكلات المجتمع لا مجرد أوراق تُنشر في مجلات لا يقرأها أحد. كان صوته واضحًا حين حذّر من ظاهرة الرسائل الجامعية المكررة والنشر غير الرصين، معتبرًا أن النزاهة الأكاديمية هي حجر الأساس لأي نهضة علمية. ومن خلال مقالاته ودراساته، وضع العراق في سياق أوسع، مقارنًا بين التجارب العربية والعالمية، ليؤكد أن الإصلاح لا يمكن أن يكون محليًا فقط، بل يجب أن يستند إلى رؤية إقليمية وعالمية.

كما لم يغفل الربيعي جانب الابتكار، حيث شدّد على أن البحث العلمي لا يكتمل إلا إذا تحوّل إلى تطبيقات عملية تخدم المجتمع وتدعم الاقتصاد. دعا إلى ربط الجامعات بمراكز الابتكار وريادة الأعمال، وإلى تشجيع الشباب على تحويل أفكارهم إلى مشاريع واقعية، معتبرًا أن الابتكار هو الطريق الأقصر نحو التنمية المستدامة.

لكن طريق الإصلاح لم يكن سهلًا. واجه الربيعي جدارًا من الفساد الأكاديمي والمؤسساتي الذي عطّل كثيرًا من مقترحاته، واصطدم بغياب الشفافية التي جعلت الجامعات عاجزة عن محاسبة نفسها أو تطوير أدائها. كما عانى من تقييد الحرية الأكاديمية، حيث بقيت كثير من المبادرات في إطار الدعوة النظرية دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ، وسط مقاومة من مؤسسات اعتادت على الوضع القائم ورأت في الإصلاح تهديدًا لمصالحها.

ورغم كل هذه التحديات، ظلّ صوت محمد الربيعي بارزًا كأحد أهم الأصوات الداعية إلى أن يكون التعليم والتربية والبحث العلمي والابتكار أدوات لبناء دولة حديثة قائمة على الشفافية والعدالة. لقد أثبت أن النقد وحده لا يكفي، وأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الجرأة على مواجهة الواقع، ومن الإصرار على أن التعليم ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء والنهضة.

لقد كان حضور الأستاذ الدكتور محمد الربيعي علامة فارقة في مسار الإصلاح الأكاديمي، ليس فقط بما طرحه من أفكار ورؤى، بل بما جسّده من التزام أخلاقي وجرأة فكرية في مواجهة التحديات. إننا نكن له كل التقدير والاحترام على جهوده الكبيرة وإصراره على أن يكون التعليم والبحث العلمي والابتكار ركيزةً لبناء مجتمع أكثر عدلًا وشفافية. وما قدّمه من جهد صادق سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، ودليلًا على أن صوت الإصلاح يمكن أن يصنع الفرق مهما كانت الصعوبات.

 


مشاهدات 45
الكاتب عبد الجليل البدري
أضيف 2025/12/17 - 1:45 PM
آخر تحديث 2025/12/18 - 10:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 448 الشهر 13311 الكلي 12997216
الوقت الآن
الخميس 2025/12/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير