أوربا ــ أميركا : إلى الطلاق أم بيت الطاعة
ضرغام الدباغ
بين أوربا والولايات المتحدة نقاط خلاف كثيرة، بعضها ظاهر يدركه المراقب والمحلل المحترف، ولكن مع ذلك هناك جزء يحافظون على سريته، يتحفظ عليه القادة بتكتم شديد. بعض الحلول المطروحة والاحتمالات المتسرية هي حلول خطرة (أنسحاب الولايات المتحدة من الناتو عام 2027)، تدرك كافة الاطراف أبعادها / ولكن الأسوء هو شعور وإحساس الاطراف بخطورة مآل إبقاء المشكلات بلا حل جذري، فالتحديات محدقة من كل حدب وصوب. وهي خطيرة بلا شك، بل هي مصيرية، ولكنها ليست جديدة، فجذور المشكلات الأوربية تعود لعقود مضت، وإلى اخفاق في تعامل الغرب (أوربا / أميركا) معها, كان مركزنا قد أشار مراراً في بحوث وتقارير تفصيلية، (منذ عشر سنوات تقريباً)عن ظواهر وخفايا الخلافات الأوربية / الأمريكية، الظاهرة والخفية منذ ولاية الرئيس أوباما الاولى.
الأوربيين يتهمون صراحة أو ضمناً : السياسية الأمريكية وعواقب طموحاتها، وعدم تقبلها نصائح الأوربيين الأكثر خبرة في إدارة الصراعات، وهي ما تتسبب بهزائم وإخفاقات متكررة، ولكن أميركا ترفض هذه المزاعم، وتعتبر الأوربيين مشبعين بأفكار رجعية، وأنهم يتعاملون برؤية قديمة فات الدهر عليها، (Oldversion)، وأنهم مرضى حنين (Nostalgia) لعهود الهيمنة الاستعمارية يتعاملون مع القضايا بعقلية أستعمارية قديمة تنتمي للقرن الثامن والتاسع عشر، لا تمت لهذا العالم ولمعطياته.
الأمريكيون يتهمون الأوربيين بعدم النزاهة، والانتهازية، وعدم صدق في النوايا. وبالمقابل لدى الأوربيين ما عندهم يتهمون به الأمريكيين. والنتيجة خلافات طويلة لا تجد الحل لها، كانت تغطيها ستر الدبلوماسية وبروتكولات التهذيب، ولكن حدثاً أو أحداثاً مزقت هذه الستر، ومنها تسربت فصول : “مسببات ونتائج” ما يدور من خلاف بين ضفتي الاطلسي.
كان الرئيس أوباما قد أشتكى بمرارة من الأوربيين، ولكنه وهو الرئيس المثقف، الذي يفكر في كلامه، وأفعاله، ولكن حجم المشاكل بين ضفتي الاطلسي يتسع والمعالجات هي أقل من المطلوب، وعبر عن ذلك الدكتور جورج فريدمان (يدير معهدا للدراسات والبحوث تابع لوكالة المخابرات الأمريكية / CIA) بجملة قصيرة ولكن معبرة” تحالف أقل من المطلوب “.
بعبارة وجيزة، أن الأوربيين يريدون من أميركا الكثير: يريدون منها النصر في أفغانستان، وبحزم ضد الروس، والليونة مع إيران، وتدابير توقف زحف الصين، وسياسات متناقضة في الشرق الأوسط، وبقاء الجيش الأمريكي في أوربا، والرد بقوة على التمدد الروسي، ولكنهم بالمقابل لا يصرفون المال للجبش، فالجيوش الأوربية للدول الرئيسية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) هي جيوش ذات قدرات متواضعة، الجيش التركي يتفوق عليها بالعدد والعتاد . وهذا غير مقبول وتركيا أقل في المقدرة الاقتصادية، والصناعية، والأمريكيون يشكون من العجز الكبير في الميزان التجاري لصالح الأوربيين، مما سيضطر الأمريكان لفرض الضرائب على الواردات الأوربية. ولاسيما السيارات.الأمريكان بعاتبون الأوربيين، ولسان حالهم يقول “ أنتم تثيرون الكثير من الضجة، وتطالبوننا بالعمل والتدخل، ولكن أنتم أيها الأوربيون بخلاء، وتحسبون لكل حركة تكاليفها المالية، وتتذرعون بصنايق الانتخابات . الأمريكان يقولون “ نحن الأمريكان ضقنا ذرعاً بالأوربيين”، الأوربيين يرددون نفس الجملة “ نحن الأوربيين ضقنا ذرعاً بالأمريكان “، المشاكل تراكمت، والقدرة على الحل تبدو أقل، وجمهور المجتمعات الأوربية، جمهور راقي، وصندوق الانتخابات يلعب دورا مهماً في الحياة السياسية التي تضم أطيافاً عديدة ومؤثرة، أحزاب ديمقراطي مسيحي، أشتراكيين ديمقراطيين، بسار، وأحزاب ماركسية ويسارية، ويمين نازي وفاشي، فالمطبخ السياسي ساخن لأعلى درجات السخونة، وربما تقارب الانفجار.
برميل الشرق الأوسط المليئ بالبارود محتقن، الصينيون يزحفون قدماً لا يوقفهم شيئ، الروس يعملون بدهاء وذكاء وبحرزون بين الحين والآخر التقدم، في السياسة والاقتصاد، وعلى الأرض في جورجيا، والقرم، وبلروسيا، وفي اواسط آسيا، والآن أنتصارهم المؤثر على أوربا في أوكرانيا، وهزيمة الناتو أمامهم. (وللحق ان الأوربيون حرضوا الأوكرانيين على الألتفاف على الروس).
بتقديرنا، أن الأمريكان أجروا حساباتهم بدقة، وجدوا أن أوربا (ويحلو لهم تسميتها بالقارة العجوز) تطفو على بحر من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبعض تلك المشاكل أتعبتهم وأعيتهم في إيجاد الحلول لها.