وزارة الثقافة خارج مدار العلم
ماهر نصرت
حين ترفض وزارة الثقافة احتضان العلم فاعلم ان الامة دخلت نفقاً مظلماً من الجهل وسوء المعرفة ، فالعراق الذي كان يوماً مدرسة الشرق ومركز إشعاع للمعرفة والابداع صار اليوم عاجزاً حتى عن تبني واصدار كتاب علمي وخاصة تلك التي تختص في مواضيع الاتصالات والاقمار الصناعية او الاجهزة الطبية مثل ( الليزر أوجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي أو جهاز الطب النووي أو السونار الى آخره ....... ) وكذلك ماجاء عن المحركات التوربينية وطريقة عملها واخرى كثيرة التي باتت اليوم معتمدة بشكل فعلي في كل صناعات العالم ، وان أعتذار الوزارة عن اصدار ذلك النوع من الكتب ليس ضعفاً في محتوى الكتاب ولا لقلة قيمته العلمية بل لأن الوزارة التي يفترض ان تكون بوابة الفكر لا تظم في اروقتها من يفقه عن هذا النوع من العلوم الحديثة ، وهذه ليست واقعة عابرة بل فضيحة ثقافية تفضح حجم الجمود العلمي الذي اصاب تلك المؤسسة الثقافية .
قبل عام قدمت مخطوطة كتاب علمي الى دار الشؤون الثقافية الواقع في نهاية قناة الجيش وهي دائرة تابعة الى وزارة الثقافة كما هو معروف لغرض اصداره على حساب الوزارة بسبب غلاء النشر في دور النشر الاهلية ، فاستقبلوه الموظفين هناك بترحاب كبير واحترام مشرف لصاحب المخطوطة وابلغوني ان المخطوطة سوف تعرض على لجنة في الوزارة لتقييمها حسب تعليماتها بشرط أن تبقى لدى اللجنة ستة اشهر متواصلة !! وسوف نخبرك بالنتيجة عند ظهور النتيجة .
وبعد نصف عام تصوروا بعد نصف عام ! جاءني الرد بالاعتذار عن قبولها لان اللجنة المختصة لا تظم من يختص في علوم هذا المجال وبعد التقصي عن صحة ذلك الادعاء اتضح افتقارهم بالفعل الى من يختص في هذا المجال من العلوم ، حتى اساتذة الجامعات هناك من يقول انهم من الهواة وحالهم حال أي هاوي يتطلع على تلك العلوم ولو كان هناك مؤهل لهذا الاختصاص لكان قد أعتمد من قبل الوزارة في تقييم المخطوطات العلمية وبكل صنوفها واختصاصاتها والا ماهو السبب في عدم وجود لجان علمية تختص بأنواع العلوم داخل وزارة الثقافة ؟ يبقى الجواب غامضاً ! فتصوروا في بلد الحضارة والعلوم تعتذر وزارة الثقافة التي تعتبر واجهة البلد الفكرية عن تدقيق وتقييم كتاب علمي يتحدث عن تكنولوجيا معاصرة .
ان هذه الحادثة لا تخص شخصاً بل تكشف خللاً عميقاً في مفهوم الثقافة الذي تتبناه الوزارة فهي مازالت اسيرة قوالب الماضي ، وهي تظن ان الثقافة تنحصر في ديوان شعر أو مجموعة قصص قصيرة أو رواية او نقد أدبي وكأن العلم خارج حدود الابداع بينما العالم من حولنا جعل من العلم والثقافة جناحين يطير بهما الى المستقبل وها نحن نحبو في العتمة ونحمل الجهل التكنلوجي المعاصر اين ما ولينا وجوهنا ، لأن وزارة الثقافة قررت ان تبقى دائرة أدبية مختصة بالشعر والنثر والقصة القصيرة والرواية وتكدس الكتب هدراً لأنها لا تعيير للفكر العلمي اهمية تذكر .
لقد تحولت الوزارة الى متحف للروتين يظم لجاناً لا تعرف سوى لغة النقد الادبي والخواطر الشعرية والرواية ومجموعات القصص القصيرة التي لاتقدم امة ولا تطور حضارة في وقت تجاوزت فيه البشرية حدود الكواكب ونحن مازلنا نناقش قصص الحب والشعر والخواطر الرومانسية على ورق وجهود طباعية غير مجدية تذهب هدراً ، ونعتبر ذلك إنجازا ثقافياً ، فأين هم من الكتب التي تتحدث عن المحركات وعن الليزر وعن الطيران المدني وعن الاتصالات وعن الفضاء فهذه ليست رفاهية فكرية بل جزءاً من الأمن الوطني وركيزة لنهضة البلاد والعباد وتطوير عقول الاجيال القادمة لمنحهم فرصة الدخول الى تلك العلوم القيمة بدلاً من بيت شعر او قصة قصيرة خيالية .
انها مأساة حين تعجز وزارة الثقافة في بلد مثل العراق عن اصدار كتاب علمي معاصر في وقت تفيض فيه شاشاتها وجرائدها بالمديح العقيم .
أن المهرجانات الخطابية الثقافية ليست احتفاليات ولا قصائد بل هي منظومة عقلية تبني الإنسان وتدفعه نحو التقدم وإذا لم تدرك الوزارة هذه الحقيقة فعليها ان تعيد النظر في موقفها وتفسح المجال لمن يعرف ان العلم هو أساس الصناعة والتقدم فالأمم المتقدمة لم تقوم على أساس الشعر والقصة بل على الآلة الصناعية التي تعتبر تطبيق للعلوم التقنية والتكنلوجيا المتطورة .
يجب اعادة تشكيل هذه الوزارة من جديد وفتح اقسام متخصصة في العلوم الحديثة تتعاقد مع مختصين عند الحاجة ليكونوا جزءاً من لجان تقييم الكتب العلمية لأن احتضان الفكر العلمي ليس ترفاً بل واجب وطني فالكتاب العلمي هو الذي يصنع نهضة حقيقية ويخلق جيلاً يعرف معنى الابتكار اما ترك العلم خارج حدود الثقافة فمعناه أننا نسحق مستقبلنا بأيدينا .
العراق لا يستحق وزارة ثقافة تتخلف عن علوم العصر بل يحتاج الى وزارة تمتلك رؤية تؤمن بان العقل العلمي لا الشعر والنثر وحده هو من يصنع المجد وان تأليف كتاب عن العلوم المختلفة أهم من الف ديوان شعر لا يغادر رفوف السوق فقد آن الاوان بعد كل هذا الجمود أن نستبدل ثقافة التكرار بثقافة الابداع وان نفهم ان التقدم يبدأ من كتب العلوم التي تقدح منها شرارات المعرفة لتضيء طريق امة بأكملها .