الإستثمار السيء في الديمقراطية
مزهر الخفاجي
يُعرّف الاستثمار في كتب الاقتصاد على أنّهُ:
- « عملية الانتفاع بالاصول المُشترات من قبل شخص او جماعة أو شركة للحصول على الارباح لاحقاً».واذا ما عرفنا ان للاستثمار مجالات او قولوا.. محددات تبدأ من المنفعة او الربح وتنتهي بتوفير مستلزماته... هذا اذا ما راعينا تعدد مجالات الاستثمار في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية حتى الزراعية.
والباحثين في مجال الفكر الاقتصادي ذهبوا الى دوافع مهمة الاستثمار، التي قالوا انها تتمثل في:
- نمو وتزايد ارباح الاموال المستثمرة في هذا الحقل الأقتصادي او ذاك..والذي يساهم فيما بعد لتثبيت مصالح المستهلك وتنامي ثروته ، وحتى سطوته.
- ويُعّد الاستثمار وسيلة من وسائل تأمين المستقبل المادي للمستثمر والتطور الاقتصادي
للبلد المستثمر فيه وذلك من خلال وضع وسيلة الاستثمار هذه في المكان الصحيح.
والاستثمار لم يعد اتجاهاً اقتصادياً فقط بل دخل وتوسع وتمدد ليشمل سوق التعليم والبحث والثقافة ليتمدد بعدها في فضاء السياسة ! واذا ما عرفنا ان الدستور، في كل المجتمعات يغد الوثيقة السياسية ذات العلوية القانونية الاولى ينص على ان الجميع قد اتفق على التدوال السلمي للسلطة، وعلى ان يكون التنافس الحقيقي، الذي يشارك فيه عدد كبير من المواطنين.
تغييرات سياسية
هو التنافس الذي يؤدي الى وصول الجماعة الوطنية الى سدة المؤسسة التشريعية والتي يمكن من خلال وصول هذه الجماعة التي أختيرت بمحض ارادة الشعب ان تُحدث تغييرات سياسية حقيقية في جسد الدولة ... ووفق هذا التوصيف تصبح الديمقراطية واحدة من ادوات استثمار الوعي المجتمعي في تطوير وسائل وادوات الحكم في هذا البلد او ذاك ، التي بدورها تهدف الى تطوير مناحي المنفعة او تطوير مستوى الفائدة في نظامها السياسي بين الجماعة الحاكمة و الشعب.
وتجيء الممارسة الديمقراطية والتي واحدة من اداوات تبلورها احداث التغيير عن طريق صناديق الاقتراع، من خلال إختار حُر للشعب للجماعة الحاكمة .
لتدفع برموز وزعامات وطنية جديدة، لكي تعبّر عن رغبة الجماعة الوطنية من اجل احداث تغيير جوهري في نظامها السياسي، بالشكل الذي يجعله قريباً ظموحات وحاجات الشعب في الحصول على حياة كريمة وقريباًً من المتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية الدائرة في البيئة الاقليمية والدولية.
هنا لا نبتعد عن الحقيقة حين نقول من ان جوهر الديمقراطية او الاستثمار الايجابي للديمقراطية يكمن في تقييم جماهير الشعب و عامة الناس المستفيدة من هذا الاستثمار او التغيير في إحداث الأستقرار الوطني الداخلي والتفاعل مع المتغير السياسي الاقليمي والدولي .
والذي بدوره يؤكد على ضرورة مراعاة الحياة السياسية التي يسعى النظام السياسي الى تعزيزها مثلاً، وهل حقا يسعى هذا النظام الى رفاهية المجتمع وحماية حقوقهم وحرياتهم.
فضلا عن الحفاظ على وحدتهم وأمنهم وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ( او العدل النسبي) بينهم، والسعي الى اعتماد الحوار والحلول السلمية في النزاعات البينية التي تنشأ في البلد الواحد.
عند التعمق في موضوع بحثنا وجدنا ان اهداف الاستثمار الايجابي في التجربة الديمقراطية في العراق قد نجحت في التركيز على ما يلي:
1- تباني كل من جماهير الشعب وجماعته الوطنية على اعتبار الدستور كمرجع وحيد في بناء مؤسسات دولته.
2- سعي التجربة الديمقراطية على الفصل بين سلطاته بما ينعكس على تعظيم استثمار
الديمقراطية في بناء نظام حكمها.
3- عملية الفصل بين السلطات، الذي كان هدفه هو عدم تركيز السلطة في يد فرد او
مؤسسة.. ربما كان عاملاً وعوناً في اتخاذ القرار وفي تعدد مستوياته.
4-إن من أهم عوامل نجاح التجربة الديمقراطية في أي بلد إنما تعتمد على إتاحة الفرصة لجماهير الشعب في أختيار من يمثلها في مؤسساتها التشريعية والتنفيذية على اساس الكفاءة والنزاهة الوطنية وليس على اساس أخر.
ان الاستثمار السيء في التجربة الديمقراطية في العراق قد دلّت عليها وقائع عديدة، فإذا ما افترضنا ان اي نظام حكم مستند الى ركائز ثلاث:
1- شعب واع.
2- عقد اجتماعي / دستور رصين.
3- نخب او جماعة وطنية.
على ان تكون جاهزة لممارسة حريتها ، إذ ان التحوّل الديمقراطي يقتضي بضرورة التحول الاجتماعي من الانتماءات النوعية قبل القبيلة والعشيرة والطائفة الى ولاءات اكبر كــــ ( الوطن، الدولة، والشعب).
وان الذي يستثمر ايجابيا في الديمقراطية يستلزم او يشترط في هذه المجتمعات ان يتوفر فيها شروطاً اقتصادية مناسبة، التي من اساسياتها توفير مستلزمات العيش الكريم لعموم الشعب.
وايضا يستلزم في الدولة الديمقراطية تنويع الهياكل الوظيفية بما يؤدي الى تحسين الدخل ومستويات المعيشة لعموم المواطنين وذلك من خلال تنويع مصادر دخل الدولة، الذي يتجلى بانتقال الدولة من الاقتصاد الريعي الى اقتصاد متعدد ( زراعية وصناعية).
فضلا عن تعظيم موارد الدولة الذي ينعكس بالتالي على تنمية دخل الدولة القومي:
وحتى لا نسهب كثيرا دعونا نقف امام الاستثمار السيء للديمقراطية وانموذجها الواقعي الذي تجسّد في انتخابات ( 11 / 11 / 2025) التي جرت في عموم العراق، فعلى مستوى الاستثمار الشعبي ( الشعب) للديمقراطية ثبتنا ما يلي:
لقد كرست او ورطت كل من الاوليغركيات الثلاث ( القبيلة، رجال الدين ، ورجال الاعمال) البرجوازيات المتولدة حديثاً وقد ثبتنا المثالب التالية التي ساهمت في إرباك التجربة الديمقراطية وفي تراجع مستويات الأيمان فيها :-
أولا: ان عدد وحجم مشاركة شيوخ العشائر في هذه الانتخابات ( 11- 11) كان كبيرا بالقياس الى الدورات الانتخابية السابقة ومبالغاً فيه ومُستغرباً في تدافع شيوخ العشائر لنيل عضوية مجلس النواب في دورته السادسة . ونعتقد اسباب تدافع شيوخ العشائر للمشاركة في الانتخابات او تبنيهم للديمقراطية كوسيلة من وسائل الوصول للسلطة انما يعود :
صراع ازلي
منذ زمن طويل هناك صراع ازلي على مشيخة العشيرة لان المشيخة تعتبر مثل ( رداء النبوة)، لذلك تصبح لديهم رغبة كبيرة من اجل الحفاظ عليها.. حتى يصل الامر الى ان يفكروا انه من العار ان تذهب المشيخة الى أحد غيرهم ، لذلك نرى في اغلب الاحيان صراعات دموية من اجل الحفاظ عليها.
ومن اجل الحفاظ على هذا المنصب، صار الاقبال على نيل عضوية مجلس النواب عملية تكمّل بروتوكول وجودهم الاجتماعي، وصار لزاما عليهم ان يحظوا بميزات تجعلهم يستمرون بخطوات بهذه الوجاهة او الوجود.
ومن هذه الميزات التي يحرص عليها شيوخ العشائر ليكرسوا وجودهم التاريخي غير المبرر هي الثالوث الأبدي: ( السلطة، المال، والنفوذ). ويبدو ان الظروف السياسية او الاقتصادية والاجتماعية حتى الثقافية...
قد ساهمت بفقدان شيوخ العشائر ووجهائها هذا النفوذ منذ اكثر من نصف قرن ففقدان شيوخ العشائر وعوائلهم آلاف الدوانم الزراعية وأقطاعياتهم الكبيرة التي كانوا يملكونها بعد صدور قانون الاصلاح الزراعي بعد ثورة 14 تموز 1958.
الذي صدر على يد الزعيم عبد الكريم قاسم.... وبالتالي فقدوا عنصراً من عناصر تثبيت ركائز بقاؤهم الاقتصادي والاجتماعي. كما ان تزايد وتعاظم سلطة الدولة وازدياد نسبة الوعي.
الذي ادّى بدوره الى تهميش دَور العشيرة وشيوخها في توفير لقمة العيش الكريمة والأمن والأمان، واحتكار العنف من قبل الدولة ومؤسساتها قانونياً، الذي اضعف بدوره من سطوة العشيرة الاجتماعية.
بيد ان ضياع ميزة تملك الاراضي والتقرب من السلطة قد أفَلَ؟؟. أما الآن وبعد ان تمكن ابناء القبائل او العشيرة من الحصول على الوظائف والاموال وحتى الوصول الى الجاه والمناصب والاستحواذ بحق عبر حصول البعض من ابناء عشائرهم عضوية مجلس الوزراء او مجلس الوزراء او استلام مقاليد في مؤسسات الجيش والشرطة وأجهزة الدولة الاخرى .
بقية المادة على موقع (الزمان)
هذا الأمر هو الذي جعلهم لا يحتاجون شيخ العشيرة ويبدو ان الشيخة او منصب المشيخة الذي كان يعتبر كـــ ( رداء النبوه) عند شيوخ القبائل اصبح في خطر!!. فكيف يحافظون عليه؟؟؟؟؟:
هذا الامر هو الذي جعل شيوخ العشائر يفكرون إعادة انتاج انفسهم أو الدفع بهم من جديد وذلك من خلال الاقتراب من السلطة حد الامتلاك او مجاورتها. لذلك فان منصب عضوية المجلس ستجعلهم يمتلكون المال أو يحصلون عليه بطرق اسهل.
فبدلا من امتلاكهم دوانمهم الزراعية المُصادرة صاروا يلجأون الى التجارة في حديقة المنصب السياسي ، والذي يحصلون من خلاله على مغانم ... وفي الوقت نفسه ان عضوية مجلس النواب سمتنحهم النفوذ والقوة من جديد.
فضلا عن ان المشيخة في بُعدَيها الاجتماعي والاقتصادي سَيُعاد انتاجها حيث انه سيتجاور مع الموقف السياسي كذلك وفق منطق تبادل المصالح بين السلطة وشيوخ القبائل ... ويبدو ان مبررات تزاحم شيوخ العشائر من اجل التنافس الانتخابي...
وان من مبررات عودتهم أيضاً يعزيه البعض من المراقبين الى شعور شيوخ العشائر بعد العام 2003 بدأوا يواجهون العُزلة او المُزاحمة من قبل :
١-قادة الأحزاب
٢- الشخصيات النافذة منها.
٣-بعض الشخصيات من نفس القبيلة والمدعومة من اصحاب القرار او قادة الكتل والاحزاب.
والذي اضعف وجودهم الاجتماعي داخل بيئاتهم الاجتماعية ..حيث سحبوا من الشيوخ مركز النفوذ والولاء والجاه.
لذلك سارع شيوخ العشائر ووجهاء العوائل في كبرى العشائر الى الترشيح لعضوية مجلس النواب في دورة عام ٢٠٢٥.... هذا الذي جعلهم يبذلون الغالي والنفيس من اجل الفوز بعضوية مجلس النواب العراقي .
فمعظمهم دخل هذا المعترك ليس حبّاً بالشعب ولا دفاعاً عن حياض الوطن ولا رغبة في الحفاظ على منظومة القيَم في القبيلة او إيماناً بمشروع او برنامج سياسي معين . لذلك يبدو ان ستراتيجية شيوخ العشائر في إعادة انتاج سلطتهم ونفوذهم وسيطرتهم على المال قد باءت بالفشل.
وفي المقابل نجح ابناء قبائلهم في ايقاف هذا التمدد ومعاقبة شيوخ عشائرهم الراغبين في إعادة انتاج مدونتهم السردية الاولغاركية... وسقطوا في الامتحان الاجتماعي والسياسي والديمقراطي..
ان هذه النتائج أكدّت مجتمعياً ان سبب خسارة اغلب شيوخ العشائر هي:
* نفور معظم العراقيين من ستراتيجية إعادة انتاج الاوليغاركية العشيرة اجتماعيا واقتصاديا، التي
ساهمت كما يعتقدون في ظلمهم على مدار عقود عديدة... فضلا عن انها كرسّت مفهوم الظلم بعينه.
* رغبة العراقيين بكل انتمائاتهم الى مفهوم الدولة المدنية العادلة، التي تتلائم مع تجربتهم الوطنية.
* وعي العراقيين قد بات واضحاً في خلعهم لكل المفاهيم التي تريد انتاج منظومة الظلم من
خلال ديمقراطية غير منضبطة وغير عادلة ، والتي لا تعبر عن فهم واضح للحرية او نظرية تبادل السلطة عبر التداول السلمي القائمة على الكفاءة والنزاهة والوطنية رافضة فكرة الولاء والطاعة والعشيرة التي لم تقدم لهم خلال مئة عام شيئاً يأخذ بيدهم للمستقبل اللهم إلا إذا مااعتبرناها رابطة اجتماعية فحسب .
هنا علينا ان نذكر ان ثمة من ورط رؤساء العشائر وجرجر اقدامهم وسوقهم بأعتبارهم حواظن إجتماعية تؤثر في اكبر قدرٍ من ابناء عمومتهم والنسيج الاجتماعي المنتمي لهم ، في تجربة ديمقراطية لا هم يفهمون فلسفتها ولا ينتمون لمبادئها ولايمتلكون أدواتها ولايعبرون عن مصالح شعبها لاسيما وان اغلبهم توارث فكرة السطوة والسلطة في ظلم ابناء عمومتهم ..
تُرى هل ان الحزبية المقيتة ساهمت في هذا التوريط؟.
ام ان تطلّع رؤساء القبائل لاستعادة هذا الدَور كان سبباً في عملية المشاركة؟.
فكان في الحالتين إستثماراً سياسياً واجتماعياً وثقافياً خاطئ.
على كل حال... كان الشعب على قدر المسؤولية وخذلهم... نعم... كما قال جاستون باشلار من ان المعرفة: ( هي هدم مستمر للاوهام)... وكان تعبير ان كل تقدم اجتماعي في الوعي المجتمعي...
لا يبنى فوق يقين ساذج سابق بل فوق انقاضه والمقصود بالانقاض هنا انقاض من خراب الوعي او قولوا: فوق اخطاء تجارب مجتمعاته.... وهذا هو ما حصل من هدم لعُرى الثقة مع رؤساء العشائر والعصبية القبلية التي لم تُنتج الا ظلماً وتجهيلاً وخرابا.. وربما استمر هذا الهدم العلائقي حتى مع رجال الدِين.
ثانيا: رجال الدين ..وارتباك في مستوى الأثر والتأثير ولابد ان نذكر ان رجال الدين بعد عملية التغيير عام ٢٠٠٣ كان لهم دالة ، على المشهد السياسي الوطني وعلى التأثير في كتابة عقد اجتماعي / دستور مصادقٌ عليه شعبياً وعلى الدفع في تبني مفهوم التوافق والمشاركة لشرائح المجتمع في بناء موسسات دولته وقد وجدنا ان نسبة حظورهم من الدورة الاولى الى الدورة الرابعة كان واضحاً وذا تأثير في العديد من المواقف السياسية و والتأثير في العديد من التشريعات والقوانين التي أقرها مجلس النواب …لكن الملاحظ ضعف هذا الدور وخفوته الى حد الأفول في انتخابات عام ٢٠٢٥ ، فنجد انهم دخلوا في دور سياسي فضلا عن دورهم الديني والثقافي والاجتماعي.. والغريب ان تشكيلات دورات مجالس النواب السابقة كانت قد عرفت بانها قد تأسست على الاحزاب الاسلامية،
التي سرعان ما كان رجال الدين او المعممين بها علامة فارقة... او كان يقف وراءها هو تأسيس هذه الاحزاب من رجال دين او معممين معاصرين.... وقد لعب رجال الدين فيها دوراً ما.
وذلك من خلال تكريس فكرة المكوناتية... او حضور خلفية عقائدية او دينية تجسدت من خلال ظهورها في الكثير من طروحاتهم التشريعية او السياسية، لكن من الغريب في الاستثمار السيء في التجربة الديمقراطية في العراق:
ان رجل الدين قد ضعف دوره وقلّت مشاركته وتوسعت الهوّة بينه وبين الناس. وصار حضوره باهتاً، حتى اصبح هذا الحظور دوغمائيا وادعائيا الذي وسّع الهوة بينه وبين مجتمعه، وصارت طروحاته محط تندر في بيئته الشعبية والاجتماعية.
هذا الامر هو الذي جعل ابرز ما يميز الانتخابات الديمقراطية في الدورة السادسة هو غياب زخم حضور رجال الدين على صعيد الترشيح والانتخاب والمشاركة ايضاً. فضلا عن ارتباك المؤسسة الدينية في اتخاذ الموقف المناسب من قضية المشاركة في الانتخابات او مقاطعة من هذه التجربة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخاب مؤسساته التشريعية، لذلك اختفى حضور رجال الدين فيها، وضعف تأثيرهم على المجتمعات المشاركة.
وهي ملاحظة يجب تحليلها اجتماعيا وثقافيا... نعم لا نرى ان هذا الضعف في دور رجل الدين او القطيعة بينه وبين مجتمعه سببها الوعي المتصاعد للمجتمع العراقي، مما يجعلنا نستشهد بملاحظة ( داروين) التي قال فيها:
- « ما الذي يجعل الجهل يزدهر بالثقة!! بينما المعرفة تشغل العقل... وتثقل كاهل الانسان بالشك».
ويضيف داروين:
- « من ان الجهل ليس فراغاً عقلياً فحسب.. بل هو تربة خصبة لليقين الوهمي».
لذلك فان اولئك الذين لا يعرفون سوى القليل هم الاكثر ثقة وان هذه المشكلة او تلك لن تُحَّل بالعِلم، هذا الامر هو الذي جعل بعض رجال الدين يعولون على وهن الاغلبية الشعبية كون وعيها لن تتغير.
وان اليقين بالعاطفة او الجهل هي الاكثر صمودا امام الوعي الحقيقي او تنامي الوعي بالتجربة عند العامة من الناس.
ثالثاً: حظور رجال الأعمال المُقلق ..ان دخول رجال الاعمال والمال السياسي للانتخابات... وقبل الخوض في هذا الموضوع لا بدّ ان نذكر هنا الملاحظة التالية:
ان العقل العربي يعيش غربة عن واقعه، وهي غربة حقيقية؟ لماذا؟.
ذلك لان اضعف شي نعيشه في حياتنا ثقافياً ، كون اثمن شيء يعيشه ونقصد الانسان راحل عن واقعه او ان الفرد مُغيب عنه … لذلك نراه راحل الى تقليد ما ورد من الماضي ( اي تكريس وجهاته ونفوذه ومنصبه وماله... الخ).
او عقل واهم يتقلد تجربة خارجة عن بيئته العربية حيث يقلد تجربة رأس المال الغربي واضافة سلطة ونفوذ ومال رجال الاعمال في مجتمعنا بالاضافة الى ما يملك. وعلى الرغم من تأسيس رأس المال العربي تاريخياً او تأسيس رجل الاعمال العربي ( او قولوا البورجوازية المحلية ) ، كان قد ارتبط مع فاعلين :
-انهم امتداداً تاريخياً لشخصيات وعوائل وبيوتات كانت قد تخادمت سياسياً واقتصادياً مع الاحتلالات (الانكليزي ، الفرنسي ، الأسباني) .
-تجاورت مع نظم الحكم التي أسستها هذه الاحتلالات ، فتناسلت وتوارثت موقعها وتأثيرها السياسي والاقتصادي والعائلي من تخادمها مع الحكومات والسلطات المحلية النافذة.
وهي غريبة وتكاد تكون استثناءاً، فالمال العربي كان قد تجاور مع الفساد او استغل تجاوره مع السياسة والنفوذين السياسي والوظيفي. هذا التأسيس يؤدي الى رغبة في تكوين بورجوازيات محلية..لم تنجح في ان تتحول الى برجوازيات وطنية كما هو الحال في بادان العالم .
وكانت فرضياتها وشعاراتها في ان تساهم في الاخذ بيد مجتمعاتها امراً غير موثوق فيه، والامر الثاني هو ان رأس المال العربي كان منحازاً الى قوى السلطة او مع الممسكين بها. وتحول من متحالف معها الى منحاز اليها.
وبذلك فقد صلاته الحقيقية مع بيئته المجتمعية والجماعة الوطنية المعاصرة لها، ويلاحظ ان البرجوازية العراقية المحلية ذات الجذور الملكية او التي نمت مع نظام الجمهوريات قبل ٥٠ عام والتي تعاطت او ربما تماهت مع السلطات السابقة لم تكن حاضرة في انتخابات العراق في دوراته الخمسة (٢٠٠٥-٢٠٢١) وعليه كانت مغامرة رجال الاعمال في الانتخابات الديمقراطية في العراق وبكثافة علم ٢٠١٥ امراً مُريباً ومحيراًويدعو الى القلق والدهشة..... واليكم الاسباب:
1- التناقض الكبير والواسع بين حظوظ الحرية والتجربة الديمقراطية كفكرة ورأس المال
العراقي... اذ كان رجل الاعمال اما قريبا من الممسكين بالسلطة او من الداعمين لها او الذين أثروا بعد تخادمهم مع زعماء هذه الكتلة او تلك وكانوا متماهين مع رموز السلطة الحالية اومسوقين لرموزها بعيدا عن مفاهيم العدل والحرية والحياة الكريمة.
2- ان اغلب رجال الاعمال في العراق بعد العام 2003 لم يعرفوا بتاريخهم النضالي
والوطني او الجهادي ... ولم يعرفوا لممارستهم المعارضة السياسية للنظام دفاعا عن حقوق الشعب المهدورة... او
رغبة في الدفاع عن مصالح العراق افرادا ومجتمعاً ، او من المؤمنين بأيدلوجياته المعروفة .. والاكيد ان اغلبهم لم يكن معروفا
برأس ماله الاقتصادي او معروفا بممارسة نشاطا اقتصاديا ولو بالحدود الدنيا، كما هو
الحال عند بعض العوائل الصناعية والتجارية وملاكي الاراضي في العراق وهم يعدون
على عدد اصابع اليد. لا بل ان سيرة اغلبهم وخلفياتهم الاجتماعية تثبت عكس ذلك
وتؤكد مع احترامنا لكل الاعمال والمهن انهم اصحاب المهن والحرف والتجارة البسيطة.
هذا الامر هو الذي زعزع الثقة بهم كأفراد وكشركات وشكك المجتمع باصولهم المالية
والتجارية وجعلهم محل شك الى الأن ؟.
3- ان اغلب رجال الاعمال واصحاب رؤوس الاموال كانوا قد عرفوا من انهم اما من انتاج
فساد مؤسسات الدولة او حلفاء للمكاتب الاقتصادية لهذه الاحزاب او من المحسوبين
عليها... هذا الامر قد جعلهم واقصد رجال الاعمال هؤلاء جزءا من الفساد وواحداً من
عناوينه فصاروا محل طعن وشك وخصومة مع مجتمعاتهم الشعبية... ويصبح موضوع مشاركتهم للعملية السياسية والترشيح محل التباس وطني وشعبي وسياسي.
اذ كيف يتحول سارق المال العام الذي يعيش على افقار شعبه والناس الى رمزاً وطنياً او راعياً لفقراءه او داعماً كبيراً لتقديم خدماته وهو الذي أشترى عقود مناقصاتها وسرقَ اثمان ألاف المشاريع التي لم ينجزها ... وهنا ولكي لا ينعم هؤلاء بالمميزات عاقبت مجتمعاتنا الشعبية العديد من هذه الاسماء.
فخذلوهم انتخابيا بعد ان خسر الكثير منهم ثقة الشارع العراقي.. ومن ثم معاقبتهم ديمقراطياً... على الرغم من بذخهم للمال المسفوح بشراهة على الانتخابات. و وهنا يظهر السؤال الأتي:
كيف تسنى لهؤلاء الاغنياء ان يثقوا بمجتمعاتهم التي ساهموا في سرقتها، و ساهموا في تدني مستوى معيشتهم وتهريب اموالها. وهل ان الشارع الشعبي استخف بعقلية اللص او رجل الاعمال السارق أم أن رجال الأعمال المرشحين صابهم جنون عظمة التملك ولم يتوقعوا تصاعد مزاج الوعي العراقي .. وهنا تذكرت ما كتبه الفيلسوف الكبير افلاطون:
- « لا ترسل حمامة لانسان جائع لانه سيأكلها».
نعم لا تتحدثوا يا سادة عن الحرية والعدالة في ظل ظلم وجوع وتخلف مستشري... لان اهلي سيكفرون بالديمقراطية.. الديمقراطية التي يصطف على مائدتها اللص والفاسد والمزور والجاهل ومستحدث النعمة؟!.
بهذا الشأن يقول افلاطون:
- « لا تتحدث عن الحوار... لمن لا يشعر بالامان. ولا تطلب من الجائع ان يتأمل جمال
الطيور وهو لا يجد ما يأكله ولا تخاطب الناس بالمثاليات قبل ان تلبي حاجاتهم الاساسية.
وقبل ان تحدث الناس عن السمو ... املأ بطونهم ورد لهم كرامتهم عندها فقط يصغون
لصوت العقل والحكمة».
نعم... لقد خذل أهلي في الانتخابات الاخيرة شيوخ عشائرهم حين عرفوا انهم يريدون انتاج سيطرتهم من اجل النفوذ والمال والسلطة، واداروا ظهورهم لرجال الدين حين ظل يذكروهم بالنار والجنة والموت وعذاب القبر ولم يوفر لهم سبل حمايتهم في ان لايقعوا في النار وان يتنعموا بخيرات الحياة قبل الموت وذلك حينما يتنعموا بالعدل النسبي والحياة الكريمة البسيطة .
وايضا عاقبوا رجال الاعمال اولاء المسكونين بشهوة الثراء على خساب حرمان الفقراء من حق العيش بكرامة ، والسارقون لرزقهم بعد ان عرفوا انهم يبحثون عن حصانة تبعدهم عن المسائلة القانونية، وهم يستعدون بعد ذلك ليقولوا:
من اين لك هذا؟؟؟؟؟؟؟؟.
نعم.... ان الجميع يخطأ.... حين يستثمر خطأ في الديمقراطية..ولا تستبعدوا فكرة ان فقراء الوطن ومگاريده سيكرهونها ، اقصد الديمقراطية بقدرِ ماتغنوا وحلموا بها .