الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تحية للمفكّر شعبان

بواسطة azzaman

فم مفتوح .. فم مغلق

تحية للمفكّر شعبان

زيد الحلي

 

من فضائل عطلة الأيام الانتخابية، انها منحتني فرصة نادرة لأتفرغ لمكتبتي التي تزدحم بكتب تراكمت عبر الشهور، بعضها أقرب إلى الزوائد الفكرية التي لا حياة فيها، وبعضها نوافذ مضيئة تنير العقل والروح. وبينما كنتُ أُعيد ترتيب الرفوف وأُنقي ما تهرأ من مطبوعات عابرة، وقعت عيناي على مجموعة من مؤلفات الكاتب والمفكر الموسوعي الدكتور عبد الحسين شعبان ، فكان لقائي بتلك الكتب بمثابة استعادة لبهجة القراءة الأولى، واستدعاء لذاكرة الفكر التي لا تشيخ. أربعة كتب هي «مظفر النواب .. رحلة البنفسج» و « الهوية والمواطنة « و «فقه التسامح في الفكر العربي الاسلامي» و « جواهر الجواهري «من مجموع ثمانية عشر تزين مكتبتي منذ عشرين عاما، عدتُ إليها كما يعود العطشان إلى نبع صاف، فوجدتُ فيها غذاء للعقل وشفاء للروح. لقد تأكد لي مجددا أن إعادة القراءة ليست تكرارا، بل اكتشاف جديد لأعماق النص، وأن كل قراءة ثانية هي لقاء متجدد بين القارئ ونصه، ينضجه الزمن ويمنحه بعدا آخر من الفهم والإدراك. إن الدكتور أبا ياسر ليس كاتبا فحسب، بل هو ظاهرة فكرية متكاملة، مزجت بين الفلسفة والتاريخ والأدب والسياسة وعلم الاجتماع، وجعلت من كل كتاب له لبنة في بناء ثقافي راسخ ، لقد أغنى المكتبة الفكرية العربية بـ اثنين وثمانين مؤلفا، حملت في طياتها رؤى تحليلية عميقة، وتأملات في الوجود والوعي والإنسان، بأسلوب يتّسم بالسهولة الممتنعة، واللغة التي تشع دفئا ورصانة في آن واحد.

ومؤكد ان أسلوب د.شعبان كما المسه ، يتمثل بمزيج من الدقة التوثيقية والسرد اللذيذ ، والذاتية في تناول الأحداث من وجهة نظره الخاصة، والقدرة على التحليل العميق والشامل مستندا إلى رؤية منطقية ووثائق ، كما يتميز بـلغة عربية قوية عميقة الفهم ، تجمع بين الفصاحة والجماليات الأدبية ، واختيار العناوين الجذابة لكتبه ومقالاته ؛ وهو يستخدم القصص والأحداث المثيرة في سياق الموضوعات لتوضيح الأفكار وجعلها أكثر تأثيرا ، ما يجعله يظهر في معظم مقالاته وكتبه  كشخصية فاعلة في الحدث، سواء بالرأي أو المشاركة الفعلية ؛ ويقدم رؤية شاملة واستراتيجية للأحداث، تعتمد على الفهم المنطقي والوثائق، بما يمتلكه من عقلية استراتيجية وفكرا إبداعيا يسمح له بالنظر إلى الأمور بعمق وبصيرة ، من خلال ما يستخدمه من لغة عربية قوية ومميزة، لها جمال وبهاء النسق المتماسك كالمعمار الباسق. يكتب الدكتور شعبان لا ليُبهر القارئ بزخرفة الكلام، بل ليُثير فيه دهشة السؤال وقلق المعرفة. في كل صفحة من كتبه تجد أثر الباحث الجاد الذي لا يكتفي بالنقل، والمفكر الذي لا يكرر، بل يضيف ويجدد ويقترح. وهو بذلك يُعيد للكتابة معناها الحقيقي: أن تكون فعلَ حياة، لا ترفا لغويا عابرا.

تحية تقدير واعتزاز لهذا المفكر الكبير، الذي ظلّ وفيا لقلمه ولرسالته الفكرية، وواحدا من الأصوات التي تصون للثقافة العربية عمقها ونقاءها. لقد وهب عمره للعقل العربي، وترك لنا إرثا من الصفحات التي لا تُقرأ فحسب، بل تُفكر معنا وتُحاورنا في كل زمان ومكان.

 

Z_alhilly@yahoo.com

 


مشاهدات 61
الكاتب زيد الحلي
أضيف 2025/11/15 - 3:27 PM
آخر تحديث 2025/11/16 - 2:51 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 83 الشهر 11119 الكلي 12572622
الوقت الآن
الأحد 2025/11/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير