نحن أول من يجوع وآخر من يشبع
مسلم عوينة
عندما تهاوت الدكتاتورية وارتفعت أصوات ادّعت بأن عراقاً جديدا سيطلُّ ، تذكرتُ ما قاله أحد المناضلين الوطنيين « نحن أوّل مَن يجوع و آخِر مَن يشبع « وافترضتُ أنّ العراقيين الذين قدموا الى البلاد وتسلموا زمام الأمور ، هم مناضلون من هذا الصنف الذي يهدف الى حل مشاكل المجتمع وبناء الحياة الحضارية ، والعيش الكريم للعراقيين جميعاً ، وإنهاض عراق جديد فعلاً … عراق ثقافة وحضارة وعيش رغيد ، وخلال هذه التأملات ، تذكرت اللقاء الذي أجراه أحد محرري مجلة « المصور « المصرية مع المناضل السوداني الشهيد عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني آنئذٍ الذي أسندت اليه مسؤولية إحدى الوزارات على أثر تغيير سياسي جرى هناك .. قال محرر المجلة « عقدتُ لقاءً مع السيد عبد الخالق محجوب في داره ، وهي دار متواضعة جدا وبعد الترحيب ، سحب الرجل كرسياً جلست عليه ، وجلس هو على كرسي مماثل ، وما أن بدأنا بالحوار إلّا وانهار كرسي الوزير وسقط الرجل ارضاً … نهض واعتذر مني ، وجلس على كرسي آخر… وجدتُ هذا الرجل واحداً ممن يحملون هموم شعوبهم ويسعون الى تطويرها نحو المستقبل الأفضل « ، التقطت ذاكرتي هذه الصورة الزاهية التي عرضها محرر مجلة المصور ، وتمنيتُ كما تمنّى غيري ، أن يكون قادتنا الجدد مِن هذا الصنف من الرجال ، وعقدنا عليهم الآمال العراض باعتبارهم مناضلين سيضعون ذلك القول الماثور نصب اعينهم ، وارتسمت في المخيلة صورة زاهية لعراق جديد سيرفل شعبه بالنعيم والديمقراطية الحقة ، حتى يغدو مثلا أعلى لمن هم حوله ، ولشعوب الأرض عموماً … إلّا أنّ هذه الأحلام الزاهية سرعان ما تبددت وانتهت بفاجعة كبرى ، بعد أنْ ظهر أنّ من اعتلى مسرح حياتنا ، مسؤولون لاهثون وراء الكراسي الوثيرة المقاعد ، وبهرجات الذهب والماس ، وليذهب الآخرون الى الجحيم ، المهم تحقيق مطامعهم ومصالحهم بأقصى مايمكن ، فقرروا لأنفسهم رواتب تفوق الخيال وامتيازات ليس لها مثيل في كل دول العالم ، وراحت ثروات البلاد الهائلة بين تبذير وصراع فيما بينهم للإستحواذ على الحصة الأكبر تحت مظلة نظام محاصصاتيّ حقير ممقوت مستظلين بشرعية دستور صيّروه كرة بين أقدامهم ، ومرّتْ اثنان وعشرون من السنين العجاف، فواجهنا الحواسم على يد هذه الجماعات والأحزاب المستهينة والمستخفة بإرادة ومصالح الملايين من أبناء العراق ، والتعامي عن معاناتهم ومتاعبهم اليومية على مدار الساعة… وإذا بجماهير الشعب في واد والكتل المتصارعة على المال العام والمراكز والنفوذ في وادٍ آخر ، وتكشّفت حقائق الأحوال ، وتبينت ضرورة إيجاد سبيل آخر لتغيير واقع الحياة ، ولا ريب أنّ الخطوة الأولى تبدأ بالكفاح لتحقيق وحدة القوى الساعية الى التغيير الإيجابي لتغدو حركة فاعلة تحقّق فعلاً حاسماً لإنجاز التغيير المطلوب .