الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في قصيدة أجراس الحدود


قراءة في قصيدة أجراس الحدود

محمّد مجيد حسين

 

الشاعر ومنذ العنوان» أجراس الحدود» جعل ذهن المتلقي يقفز الى الحدود والمنفى واللجوء وأجراس تلغو هناك في حدة البعد والشوق الى الوطن في زمن التوق إلى الحرية والعودة إلى الأرض والعرض والحياة الطبيعية .

الشاعر وببراعة مذهلة جعل الهمّ الجمعي يتقاطع مع الوجد الإنساني في رمزية تربط بين الحب والمقاومة.

-البنية الدلالية للنص:

تقوم القصيدة على ثنائية الحدود والعبور، لأنّ الحدود في القصيدة لا تظهر كفعل جغرافي هندسه المستعمر الطاغي ذات ظلم وتجبر ، وانما كرمز كوني للمنع والرهبة والخوف من اقتحام فضاء الآخر ، والشاعر يتحدى هذا المفهوم ويجعل للحدود أجراسا ، لا أسوارا وأسلاكا شائكة.لان الجرس يعلن عن الحياة والانفتاح لا الانغلاق والخوف لكن بنهج تحفيزي تحذيري.

يقول الشاعر :

« كانك تزودين إجراس الحدود بالذخيرة «

في هذا المشهد المفترض تلتقي الانثى بالوطن ويتحول الحب إلى طاقة مقاومة لإثبات الذات المغلقة في سياق  حربي يستوجب «الذخيرة»

-الرمزية وبنية الصورة :

القصيدة مشبعة بالرموز التفاعلية. فالعبق هو الذاكرة والهوية العاطفية التي تتجاوز المسافات لربط الصلة بين الماضي المنقضي والحاضر المستمر.

تحضر الصحراء كرمز للفراغ والبعد يقابلها البستان رمز الخصب والحياة.

الياسمين : يحيل إلى النقاء والأنوثة وياسمين «دارنا الدمشقية» لنزار قباني.

دانكو :رمز الإثارة والبطولة الروحية المستعار من أدب مكسيم غوركس ليسقطه الشاعر على ذاته المرهقة في لحظة اختراق الوعي والحب .

-البنية الاسلوبية:

تقوم القصيدة على إيقاع داخلي متواتر نابع من تكرار عبارة «أجراس الحدود» والتي تؤدي دور اللازمة الموسيقية والمعنوية في ٱن واحد فهي تجمع بين صوت الانذار وصوت الامل والانفراج.

 -الانزياح اللغوي:

«صحراء المسافة»

تفكيك الواقع

«ولادة الشجاعة في غابات الياسمين» استطاع الشاعر أن يفكك الواقع عبر المجاز ، فيجعل اللغة نفسها معادلا للشجاعة المرجوة في هذا الخضم المتوتر .

والقصيدة تمتاز بنبرة تأملية وجدانية تعبق بالسمو الروحي والهدوء الفلسفي حتى في أكثر لحظاتها توترا.

وقد استطاع الشاعر ان يقنع المتلقي أن الحب الحقيقي فعل تحرر وانعتاق وان الحدود الحقيقية داخل الإنسان ذاته لا خارجه.حين يقول:

«وفي أوج ساعات وقاري

 انتظر ولادة الشجاعة»

فالقلق الوجودي أشبه بالانتظار او هو المخاض الذي يسبق الولادة .في تقابل بين الهدوء الظاهر والعاصفة المتاججة في الداخل وآلام الوضع..

ليختم :

«وانا دانكو عصري..»

بهذا يتحول الشاعر من عاشق مهزوم إلى منقذ رمزي شبيه بدانكو  رمز التضحية في قصة «الشيخ العجوز دانكو» لمكسيم غوركي الذي استخرج قلبه لينير به دروب أهله المظلمة ليموت ويترك هناك دون حتى التفات ممن هلك من أجلهم .

 يصبح الشاعر محمد مجيد حسين  رمزا للنور الذي يضيء عصره المظلم رغم أن  تنكر المجموعة له وارد شأنه شأن «دانكو»

بهذا استطاع الشاعر أن يعبر عن وضعية الإنسان العربي الممزق بين الحب والقيود وبين الرغبة في العبور والخوف من الاجراس التي قد تفضح خطاه.

-ختاما:

«أجراس الحدود» تتجاوز الأنا لتعبر عن تجربة إنسانية تأملية يتداخل فيها الحب والوطن والمقاومة في نسيج من العطر والنور والصوت اضافة إلى القلق والخوف من الآتي .

هي قصيدة حديثة تقاوم الفراغ والظلمة بالصورة والمجاز وتمنح الحب معنى وجوديا لا يختزل في العاطفة بل يتسع ليشمل الكرامة والحرية والإنسان في أعمق حالاته في تماه مع «دانكو» الذي ختم القصيدة كقرار بات وكرمز للايثار وتضحية الفرد في سبيل المجموعة.

حبيبة المحرزي

القصيدة

أجراس الحدود

يتطايرُ العبقُ مخترقاً 

صحراء المسافةِ

يقودني الصمودُ

أتشبثُ بدفءِ عينيِّكِ ...

كأنكِ تزودين

أجراس الحدود

بالذخيرة ...

وأنا المهزومُ الباقي

في ساحةِ الشوق ..

يا مَنْ تخشينَ

أجراس الحدود

المعادلةُ تنادينا ..

وفي أوج  ساعاتَ وقاري

أنتظرُ ولادةَ الشجاعة

في غابات الياسمين ..

وأجزمُ بأنَّ عبقَ روحي

ينمو في بستانكِ ..

أجراس الحدود

مثل الغيب ..

وأنا دانكو عصري ..

 

 


مشاهدات 95
الكاتب محمّد مجيد حسين
أضيف 2025/11/11 - 7:14 PM
آخر تحديث 2025/11/15 - 10:51 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 12 الشهر 11048 الكلي 12572551
الوقت الآن
الأحد 2025/11/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير