الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صوت نسوي مستعار

بواسطة azzaman

صوت نسوي مستعار

ياس خضير البياتي 

 

في كل موسم انتخابي، تطالعنا الصور المعلّقة على الجدران والأسوار، ونجد بين الزحام صورة لامرأة تبتسم ابتسامة بلا هوية، ترتدي الحجاب بأناقة رسمية، ويُكتب تحتها بخط عريض: «صوتكِ أمانة... صوتكِ للمرأة».

جميل جدًا... لكن لو اقتربت قليلًا وسألت نفسك: من هي هذه السيدة؟ ما برنامجها؟ ما خلفيتها السياسية أو المجتمعية؟ غالبًا، لن تجد إجابة. لأن هذه «المرشحة» ليست إلا بندًا إجباريًا في قائمة حزبية تبحث عن استكمال كوتا النسوان، لا عن تمكين المرأة.

الدستور العراقي أعطى المرأة نسبة تمثيل لا تقل عن 25بالمئة، وهو إنجاز على الورق، لكنه في الواقع أشبه بمقعد على طاولة لا يُسمح لها أن تفتح فيها فمها... إلا لتأييد ما يُملى عليها!

تمتلئ القوائم الانتخابية بنساء لا نعرف عنهن إلا أسماؤهن، ولا يُسمح لهن غالبًا إلا بالترويج للائحة، أو الظهور بصورة جانبية بين الزعامات الذكورية، كأنهن إكسسوارات سياسية تُستخدم وقت الحاجة، وتُركن بعد الفوز.

غالبًا ما يتم ترشيح النساء عن طريق الأحزاب أو العشائر، لا بناءً على كفاءاتهن، بل لأنهن «أخوات فلان» أو «زوجات علان»، أو لأن صورتها «تليق بالحملة». البعض يُجبرن على الترشّح فقط لاستكمال العدد، ويُدار ملفهن بالكامل من خلف الستار، من إدارة الحملة إلى الاتفاقات السياسية، وحتى صياغة الخطاب الانتخابي... الذي قد لا تُجيد قراءته أصلًا!

نحن أمام نموذج «مرشحة جاهزة من الفرن العشائري»، لا صوت لها، ولا قرار لها، وما إن تصل إلى البرلمان، حتى تُوزَّع مهامها بدقة: التصويت، الابتسام، وقول «نعم» حين يُطلب منها فقط.

في المناطق القبلية أو المحافظة، تتحوّل أصوات النساء إلى أمانة عند الشيخ أو الزوج أو «الواجب العشائري».

فالسيدة تصوّت لمن يختاره «الرجال»، باسم الطاعة أو «الواجب الشرعي»، وغالبًا لا تُدرك من اختارت، بل تعود إلى بيتها سعيدة بالحبر البنفسجي كأنها أنجزت معجزة وطنية.

أما في المدن، فصوت المرأة يُستغل عاطفيًا: مرشحة تُروّج للمظلومية النسوية، لكنها ما إن تفوز، تختفي في بئر الصمت البرلماني، لا مشروع، لا موقف، ولا حتى تغريدة.

هناك نساء حقيقيات، يمتلكن صوتًا، وشخصية، وموقفًا، ويحاولن كسر الطوق الذكوري.

لكن عددهن لا يكفي لصناعة توازن. فالمؤسسة السياسية التي تُسيطر عليها الأحزاب والمال والسلاح، لا تحتمل امرأة حرة تتكلم خارج النص، ولا امرأة ترفع صوتها خارج جدول التصويت الموحّد.

المرأة في الانتخابات العراقية ليست مجرد مرشحة، بل سلعة انتخابية تُستخدم لأغراض التجميل، لا التغيير. صوتها في غالب الأحيان لا يُحسب لها، ولا يُوظف لصالح قضاياها، بل يُختزل في صورة انتخابية مغلّفة بالحجاب، والعبارات الرنّانة عن «حقوق المرأة».

المرشحة عندنا ليست سياسية، بل «ديكور جذب انتخابي». تدخل السباق كأنها إعلان تجاري، لا مشروع وطني. وجهها مشدود بالبوتوكس، وابتسامتها مرسومة بدقة تجميلية أكثر من كونها صادقة. تظهر في اللافتات بفلتر إنستغراميّ، تتحدث عن حقوق المرأة وكأنها خارجة من صالون تجميل، لا من ندوة فكرية.

وفي النهاية، تُرفع الستائر عن مسرحية الانتخابات، فندخل القاعة ونصفّق للبطلات اللواتي لا يملكن من البطولة إلا الاسم، ولا من الصوت إلا صدى التعليمات. تتزين القوائم بأسماء نسوية كأنها ورود صناعية في مزهرية حزبية، لا تُسقى إلا بوعود كاذبة ولا تُقطف إلا لمآرب سلطوية.هكذا تظل المرأة في السياسة العراقية مجرد صورة بالحجاب، و»صوت للمرأة» لا يسمعه أحد… تُستدعى عند الحاجة، وتُنسى عند القرار، وتُصفّق مع الجميع إذا طلب منها الحزب، أو «أشار الشيخ»!

في النهاية، هي مرشحة بمكياج كثيف... وبرنامج خفيف!

 


مشاهدات 10
الكاتب ياس خضير البياتي 
أضيف 2025/11/03 - 2:24 PM
آخر تحديث 2025/11/04 - 4:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 209 الشهر 2538 الكلي 12364041
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/11/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير