ومذ كنتُ طفلاً عرفت الحسين
كامل الدليمي
منذ نعومة أظفارنا، ونحن نسمع اسم الحسين عليه السلام، لا كحكاية تروى قبل النوم، بل كنبض حيّ يتردد في القلوب، وكقيمة مغروسة في أعماق الضمير. الحسين عليه السلام ليس ملكًا لطائفة، ولا حكرًا على قومية أو وطن، فهو من نور الرسالة المحمدية، ومنهجها الصافي، وسورٌ حصين يحتمي به كل أحرار الأرض.
لم يكن الحسين يومًا طالب سلطة، ولا جامع ثروات، بل كان مصلحًا، حمل همّ الأمة فوق كتفيه، وسعى لإحياء مبادئ العدل، وإعادة الدين إلى صفائه الأول. خرج من المدينة مدركًا أن الطريق محفوف بالمخاطر، لكنه أيقن أن الإصلاح أسمى من السلامة الشخصية، وأن التضحية في سبيل الحق أثمن من الحياة في ظل الباطل.
في كربلاء، لم يقدّم الحسين درسًا في الفداء فحسب، بل وضع منهجًا متكاملًا في رفض الظلم ومقاومة الانحراف. لم يكن دم الحسين نقطة في تاريخ الصراع السياسي، بل كان بذرة أنبتت على مر العصور ثورات الأحرار، وألهمت المستضعفين أن يقفوا بوجه الطغيان مهما عظمت قوته.
إننا اليوم، في أيام الأربعين، نقف أمام ذكرى ليست كأي ذكرى؛ فهي ليست مناسبة نحييها بالمسير والبكاء ثم نطوي صفحتها مع مرور الأيام، بل هي عهدٌ مع الحسين أن نعيش مبادئه في حياتنا اليومية: أن نكون صادقين في مواقفنا، ثابتين في قيمنا، عادلين في أحكامنا، رافضين للظلم مهما كان شكله أو لونه.
أربعينية الحسين هي دعوة متجددة لتطبيق نهج الحسين، لا لتخزينه في الذاكرة العاطفية. هي نداء لأن يتحول الولاء للحسين من شعور إلى سلوك، ومن حزن إلى حركة، ومن بكاء إلى بناء. فالوفاء الحقيقي للحسين ليس في الاكتفاء بزيارة مرقده، بل في زيارة ضمائرنا ومراجعة مواقفنا، وتصحيح مساراتنا حتى تكون مرضية لله ورسوله.
سلام على الحسين يوم وُلد، ويوم استشهد، ويوم يُبعث حيًا، وسلام على كل قلب جعل من الحسين بوصلة لا تحيد، ومن كربلاء مدرسة لا تغلق أبوابها. فالحسين لم يكن رجلًا من الماضي، بل هو رفيق درب لكل من اختار أن يعيش حرًّا، ويموت واقفًا .