شدراك يوسف قبل الرحيل: نحن لا نمتلك ما يسمّى بأساطير الكرة لكن لدينا نجوم كبار
□ عمره الرياضي قصير كعمر الفراشات
□ يكتب دوماً (مازحاً) في مقالاته إن رئيس الجمهورية سرق مني ساعتين ذهبيتين
عمان – مجيد السامرائي
التقيته في عنكاوا باربيل في 3 -12-2017 يهرول وقد بلغ من العمر 75 عاما بالتمام والكمال وخلفه ثلة من نساء وفتيان وهو يلهث قال لي في آخر فحص طبي تبين إنني سليم معافى . لكنه رحل في الخامس من آب من هذا العام وقد تعطلت اعضاء التغذية للبقاء . يستذكر معي
اعتدنا منذ طفولتنا على الصعوبات، فحركتنا كانت مقيدة داخل الحبانية، لا نستطيع الاتجاه يمينًا أو يسارًا. وكانت الأرض من حولنا قاحلة، لا خضرة فيها. في البداية، كنا نعيش في خيام، ثم بُنيت بعض المساكن من صفائح «الجينكو « والطين وعندما يهطل المطر، كنا نتبلل بالكامل، إذ لم يكن هناك ما يحمينا رغم ذلك، كان الملعب أشبه بساحة خضراء – ولو بمساحة صغيرة – فكنا نلعب مباريات خماسيّة دون أن نعلم أن ما نمارسه يُعرف باسم الخماسيات كنا نلعب في مساحات ضيقة، لا تتجاوز العشرة أمتار في سبعة حتى في الحمّامات كنا نمارس اللعب. وهكذا، أصبحت لدينا مهارات حقيقية، قبل أن نكوّن فرقًا متكاملة.
□ قلت إن «السيسي» بناه الإنكليز… ما حقيقته؟
- نعم، الإنكليز هم من أنشؤوا السيسي، وكان ملعبًا بمواصفات مقبولة في ذلك الوقت. لكن الفرق كان واضحًا بين السيسي والمعسكر. المعسكر كان يضم ثلاثة أو أربعة ملاعب مزروعة بالثيل (العشب الطبيعي)، وكانت مخصصة للإنكليز. كانوا يقيمون فيها دورات ومباريات. وأذكر أن عمو بابا رحمه الله كان يعمل لديهم حدّادًا، وكذلك والدي، وحتى أنا عملت معهم عام 1956.
□ لكن الدخول إلى تلك الساحات لم يكن متاحًا للجميع، أليس كذلك؟
- نعم، كانت هناك أبواب مغلقة، تمنع الناس من دخول المعسكر. فكنا نبقى نلعب في السيسي وأحيانًا نخرج إلى الرمادي أو الفلوجة لنلعب، لكن الأرض هناك أيضًا لم تكن مزروعة. لم يكن هناك عشب، ولا تجهيزات كروية حديثة أما السيسي، فهو في الأصل سيبل كونتون من حيّ أُطلق عليه لاحقًا حيّ الأهلي.
□ ولماذا سُمّي ذلك الحيّ بحيّ الأهلي؟
- لأنه كان مجاورًا للحي العسكري الذي يسكنه الضباط آنذاك. كان بيننا وبينهم سياج يفصلنا. ومن الجهة الأخرى، كان معنا إخوة أكراد وأرمن وعرب. كنا نُشكّل فرقًا مختلطة، نلعب ضد الليفي، ومع الأكراد، ومع الأرمن، وهكذا كنا نمارس اللعب، دون وجود أي مدرب.
□ ويبدو أن المرحوم أدحام عواد الدليمي كان له دور في ذلك؟
- نعم، رحمه الله، كان المشرف علينا في تلك الفترة، وكان حريصًا على متابعتنا.
□ مَن هم النجوم الذين برزوا من السيسي؟
- كثيرون، منهم أبو سامي، الأستاذ عموبابا، وهشام،عطا عجاج ، ويورا رحمه الله وأحمد يورا، وأديسن.
□ حدثنا عن الفريق الذي كان يضم يورا وأديسن وعمو بابا.
- في تلك الفترة، كان يورا يلعب مع القوة الجوية، فاقتدى به أديسن، والتحق هو الآخر بالقوة الجوية كلاهما لعبا سابقًا لمباريات محلية ضمن السيسي، ضمن ما نسميه اليوم الفرق الشعبية، أما عمو بابا، فانتقل لاحقًا إلى فريق الهايتس، ومنه إلى تربية الرمادي.
□ وكيف وصل إلى المنتخب؟
- القصة مشهورة. حين شاهد اسماعيل محمد المعلّق الرياضي المعروف عمو بابا، قال له أنت من الآن اسمك عمو بابا، وكان اسمه الحقيقي عمانوئيل بابا داؤود. الله، كان معلقًا لامعًا، ومؤيد البدري الأستاذ الكبير كان يقول دائمًا أنا واسماعيل محمد من صنع اسم عمو بابا.
□ وهكذا سارت الحياة؟
- نعم، كنا نذهب للتدريب في بغداد، ولا توجد طرق معبّدة. صحراء طويلة. كنا نقطع 80 كيلومترًا، وتحسبها ذهابًا وإيابًا 120. نتدرّب لمدة ساعة أو ساعة ونصف، ثم نعود مرهقين.
□ وماذا حصل بعد ذلك؟
- اندمجنا مع الفرقة الرابعة، بعد خروج الإنكليز إثر ثورة 14 تموز عام 1958، حين سقط النظام الملكي وأُعلنت الجمهورية.
□ شدراك… اسم غير مألوف. ماذا يعني؟
- بحسب ما أخبرني والدي – رحمه الله – فإن هناك رجلًا غير ديني أو غير متدين، كان لديه ثلاثة أبناء: شدراك، نيخور، ومدناخور. هذا الرجل كان معروفًا بإيمانه بالله وبثقته تقول الرواية إنهم طلبوا منه أن يُثبت إيمانه بأن يحرق أحد أبنائه، فوافق، ووضعه في النار، لكنه لم يُصب بأي أذى خرج الطفل سليمًا، فكانت قصته مثالًا للإيمان من هنا جاء الاسم.
□ وهل كنتَ تُدعى شدراك؟
- قال لي والدي إن الاسم الذي اختاره لي كان مستوحًى من تلك القصة، لكنه لم يحدد أيًّا من الأسماء الثلاثة بالتحديد. على كل حال، بقيت أتذكر القصة أكثر مما أتذكر الاسم ذاته.
□ هل يوجد من يحمل نفس اسمك؟
- في الحبّانية، حين كنت هناك، لم أسمع بأحد يحمل اسم شدراك ولكن عندما وصلت إلى بغداد، بدأت أسمع عن اثنين أو ثلاثة يحملون الاسم ذاته. ثم، مع ظهور مواقع التواصل، وتحديدًا فيسبوك، صاروا أربعة على الأقل، ولا أدري من هه
□ متى لعبت أول مرة على أرضية تارتان؟
- في الحبّانية لم تكن هناك أرضيات تارتان، بل كانت الملاعب ترابية بالكامل. لكن عندما ذهبنا مع المنتخب العسكري إلى سوريا، لعبنا على ملعب العباسيين، وهناك خضنا أول مباراة رسمية على التارتان كان الأمر صعبًا للغاية في البداية، لم نكن معتادين على مثل تلك الأرضيات.
□ هل كانت هذه ضمن مباريات المنتخب العسكري؟
- نعم، فقد كنا نشارك سنويًا في بطولة كأس العالم العسكري، التي تُنظم تحت إشراف المجلس الدولي للرياضة العسكرية (C.I.S.M.) وقد استضاف العراق البطولة مرتين. وفي الدورة الثانية التي استضفناها، فاز منتخبنا العراقي بكأس العالم العسكري عام 1972 وأنا شاركت حينها في أول مباراة على ملعب العباسيين في دمشق.
□ ومتى لعبت أول مباراة تحت الأضواء الكاشفة؟
- أتذكر ذلك جيدًا كنا في رحلة إلى ليبيا، للمشاركة في معرض طرابلس الدولي. أقيمت هناك بعض المباريات، وذلك في أواخر عام 1965، وأكملناها في مطلع عام 1966 بعد عودتنا إلى بغداد، قيل لنا إن ملعبًا جديدًا قد أُنجز، وسيحتضن بطولة كأس العرب.
□ أي عام تحديدًا؟
- كان ذلك في نيسان من عام 1966. وكان ملعب الكشافة هو أول ملعب يُضاء بالانوار لاستضافة البطولة. وفعلاً، أقمنا مباراة تجريبية هناك بين منتخب العراق (فريق ألف) ومنتخب رديفه (فريق باء)، وذلك لاختبار الإضاءة والمولدات والمعدات الفنية. كنت ضمن فريق باء، وقد أحرزت هدف الافتتاح في تلك المباراة.
□ ألم تشعروا بالغيرة حينما نُحت تمثال لجمولي خارج ملعب الكشافة، في حين لم يُصنع لكم تمثال؟
- قضية التمثال تخص أمانة بغداد بالتعاون مع الفرقة الخامسة، على ما أعتقد. نحن كنا ضمن الفرقة الثالثة، وكان قائدها آنذاك اللواء محمود عريم، وقد وعدني بصنع تمثال لي من البرونز، وجلب نحّاتًا من إيطاليا خصيصًا لهذا الغرض. التمثال نُحت فعلاً، ووُضع مقابل بوابة ملعب الكشافة، لكن لاحقًا أصبح المكان غير لائق، بسبب تراكم النفايات وسوء العناية بالمكان.
□ برأيك، من يستحق من لاعبي العراق أن يُنحت له تمثال؟ أعطني عشرة لاعبين مثلًا؟
- في الحقيقة، نحن لا نمتلك ما يُسمّى بأساطير الكرة، كما هو الحال في دول أخرى لكن لدينا نجوم كبار. برأيي، إن كان لا بد من ذكر أساطير، فأذكر ثلاثة فقط سعيد، أحمد راضي، ويونس محمود. وقد يقال إن يونس لم يسجل سوى هدف حاسم واحد، لكن الثلاثة يمتلكون سجلًا تهديفيًا ضخمًا، ولعبوا أكثر من مئة مباراة دولية لكلٍّ منهم.
□ لكن مسيرتك لم تكن طويلة جدًا… كم سنة دامت؟
- نعم، أعتزلت مبكرًا. بدأت اللعب الجدي عام 1965، واعتزلت في عام 1975، أي عشر سنوات فقط.
□ وكم كان عمرك حينها؟
- كنت في السابعة والعشرين. مولدي الحقيقي في الحبانية عام 1942، ولكن في الأوراق الرسمية تم تسجيل مولدي عام 1944. وقد احتفلت بعيد ميلادي مؤخرًا. تجاوزت الخامسة والسبعين، ولله الحمد.
□ وما زلت تمارس الرياضة؟
- نعم، أمارس الرياضة بانتظام، أركض وألعب، وأُدرّب الآخرين، خصوصًا من يرغبون بتخفيف الوزن أو تحسين لياقتهم البدنية في الحدائق. أعمل معهم، وأُرشدهم.
□ سنفعل معك ما فُعل بالمطرب ياس خضر… حين قالوا له قصّوا شعر الرشيد، وخلوه يتحرك بالشعر. سنقصّ شعرك ونطلقك تركض… هل تستطيع؟
- نعم، أستطيع… وأركض!
□ ما هي مهاراتك، شدراك؟
- كما أخبرتك من قبل، بداياتي كانت في ألعاب الساحة والميدان، ما يُعرف اليوم بألعاب القوى. وذات يوم، أثناء أحد استعراضات المدارس المتوسطة، كنا نتدرب على اللياقة البدنية بإشراف الكابتن دحام عوادي الدليمي، الذي كان يدربنا كرة القدم أيضًا. وكنا نصعد وننزل تلال البحيرة في الحبانية، مما منحنا لياقة عالية جدًا.
في أحد الأيام، قال لي لماذا لا تركض 800 متر؟ اليوم لدينا استعراض فقط، وأريد منك نقطة واحدة». كنت أرتدي شورتًا أسود وفانيلة بيضاء كما كانت زي المدارس آنذاك ولم أكن أعلم حتى ما هي الـ800 متر!
طلب مني أن أركض، وأعطاني حذاء سبايكس، لم أكن أملك حذاءً خاصًا. وكان هناك شاب يمتلك الرقم القياسي في المدرسة، فدخلنا السباق، وكان هو ضخمًا وله بنية قوية، أما أنا فكنت خفيف البنية وضعيفًا.
في البداية لم يتوقع أحد أن أحقق شيئًا، لكن في المئة متر الأخيرة، كنت أركض والأستاذ دحام يركض بجانبي على الرصيف، يقول لي: «أركض، أنت الأول!»، لم أصدق! أنهيت السباق وأنا متفوق، بزمن 2:13.20 دقيقة. بعدها أدركت أنه كان بإمكاني أن أكون بطلاً لآسيا في سباق 800 متر!
□ من هم الأساطير في الرياضة برأيك؟
- سعيد عويطة، هذا أسطورة حقيقية. من حيث الأداء والإنجازات، لا شك أنه أسطورة. أما اليوم، فكلمة أسطورة تُمنح بكثرة في مباراة ملعب البصرة، قالوا أساطير العالم، لكن التنظيم لم يكن بالمستوى المطلوب، مع أن حوالي عشرين نجمًا عالميًا حضروا. تمنيت أن أكون حاضرًا، حتى ولو لم ألعب، فقط بدعوة بسيطة. كثير من النجوم الكبار لم تتم دعوتهم.
□ هل كنت تعاتب على عدم دعوتك؟
- لا، دكتور، ليس عتابًا شخصيًا، لكن على الأقل، لو أرسلوا لي بطاقة دعوة! هنالك لاعبون تمت دعوتهم، وبعضهم بصراحة لا يُعد من نجوم الصف الأول.
-هل كان ينبغي اختيار لاعبين أفضل؟
بكل تأكيد. مثلاً، اللاعب دكلوس عزيز كان يجب أن يكون حاضرًا، فهو ما زال في لياقة جيدة ويتدرب حتى الآن. كذلك نوري ذياب، الذي كان هداف العراق، وأيضًا عمو يوسف، أخي، الذي سجل أهداف العراق في بطولتين متتاليتين.
□ هل ترى أن اختيار اللاعبين تم بناءً على الألقاب؟
- ربما، أنا أقول إن الاختيار يجب أن يكون على أساس الألقاب والإنجازات، مثل أفضل لاعب في العراق، هداف الدوري، المشاركات الدولية، وهكذا. تمامًا كما يُختار كريستيانو رونالدو وغيره.
□ هل لا زلت تملك لياقة بدنية تؤهلك للعب؟
- الحمد لله، أمارس الرياضة بانتظام. أركض، ألعب، وأساعد الناس الذين يريدون تحسين لياقتهم أو خفض وزنهم. لو تمت دعوتي، أستطيع أن ألعب شوطًا كاملاً، لا مشكلة لدي.
□ ما الذي ساعدك على الحفاظ على صحتك ولياقتك؟
- أنا لا أدخن أبدًا، دكتور. لدي نظام غذائي متوازن، أركز فيه على الخضروات مثل الجزر، والسمك، وأحيانًا اللحوم لكن باعتدال. أبتعد عن اللحوم الحمراء، وأحب السلطات والعصائر الطبيعية، وهذا ما حافظ على صحتي بفضل الله.
□ لكننا نعرف أن بعضكم كان يدخن...
- صحيح، مثل دكلص ، كان يدخن، رغم أنه كان لاعبًا معنا. أحيانًا كنا نقول له لماذا تدخن؟ فيجيب: مرة أو مرتين فقط... لكنه استمر حتى بعد الاعتزال.
□ هل شعرت بالحزن لعدم مشاركتك في مباراة الأساطير؟
- صراحة، لم أنم مرتاحًا في تلك الليلة. لا لأنهم لم يختاروني، بل لأنهم لم يختاروا من هم أفضل مني. أتمنى لو تم تكريم بعض اللاعبين السابقين الذين قدموا الكثير للكرة العراقية، بدل أن يُستثنوا بهذه الطريقة.
لكنني أقول إن أغلب اللاعبين خسروا أعمارهم بسبب ابتعادهم عن التمارين الرياضية،. فالتدريب، في حقيقته، مضادّ للمرض. إننا حين نتمرن، نركض ساعتين، بل أحياناً ثلاث ساعات، ولا يُصيبنا مكروه، إلا إذا كان هناك ضغط على القلب أو عارض صحي. لكن هذا القلب، يا دكتور، يتحمل أطنانًا من الدم يوميًا، أليس الأجدر أن نُبقيه في حالة نشاط؟
□ طيب، هل تتناول أي أدوية؟
- أبدًا، لا أتناول شيئًا. لا أعاني من ضغط ولا سكري ولا أي شيء، والحمد لله آخر تحاليل أجريتها كانت في المستشفى البريطاني، والدكتور محمد قال لي لا يوجد بك شيء قلت له ولا كوليسترول؟ ولا سكر؟» قال لي حاسد نفسك!.
□ وماذا عن رجلك اليسرى؟
- نعم، أعاني من ثقل بسيط في رجلي اليسرى، أثقل من اليمنى. وقد سقطتُ أكثر من مرة بسببها، خصوصًا عند الصعود أو النزول من درجات السلم. ربما بسبب التواء قديم أو عثرة، لكنني أسيطر عليها، ولا تمنعني من المشي أو النشاط. بل أحيانًا أُحس أنها أفضل من اليمنى. تدريبي ليس مجرد نزهة، بل سباقات فعلية، وأُجريها وحدي دون رفقة.
□ وهل هناك من يسبقك؟
- صراحة، هناك نساء يتدربن أيضًا، في محيط عنكاوة، لكنهن يُمارسن الرياضة بهدف تقليل الوزن أما الشباب، فبعضهم يركض بسرعات عالية، لكني أسبق الكثير منهم.
□ كم وزنك الآن؟
- وزني حالياً 69 كيلوغرامًا.
□ لكن، يبدو لديك شيء من البطن؟
- أشكّ في أنه كرش، ربما هو القولون أحيانًا أشعر بذلك، لكنّي لا أذهب إلى الطبيب كثيرًا بما أنني أتمرن باستمرار، فإن أي انتفاخ أو شعور غريب سرعان ما يزول لكني لاحظت أن شكل بطني تغيّر بعض الشيء.
□ وهل لا يأتيك القولون؟
ممكن، القولون يأتي أحيانًا، لكن لا أشكو كثيرًا.
-نرجع إلى القدم اليسرى واليمنى، تذكر الهدف الذي سجله هشام على ليبيا باليسرى؟
أذكره جيدًا، في كأس العرب. كانت النتيجة 2-1، وسجله هشام باليسرى، وهو كان يجيد التسديد بكلتا قدميه. كل الكرات التي وصلت إلى هشام، كنتُ أنا من مررها. إذا لم تكن التمريرة دقيقة في البداية، فإننا نُعدّلها لاحقًا. كنتُ أعرف كيف أُمرّر له بدقة.
□ كم هدفًا سجلتَ في كأس العرب؟
- سجلتُ هدفًا واحدًا، هدف الافتتاح على الكويت.
□ وكان الرئيس عبدالسلام عارف حاضرًا؟
- نعم، الله يرحمه، كان حاضرًا في المباراة. وأوصى السكرتير بأن تُهدى ساعة ذهبية لصاحب الهدف الأول، سواءً من العراق أو الكويت. لكنّ الله قدّر أن أكون صاحب الهدف، في أول مباراة دولية لي في بغداد. ثم لعبنا مباراة أخرى دولية في مصر أمام لبنان، وأخرى مع فريق من آسيا كنت أُحصي أهدافي وبداياتي في كل دولة أزورها. في تلك المباراة، سجلتُ الهدف في الدقيقة 13، تقريبًا لا أذكر بالضبط إن كانت الكرة من قاسم زوية أو هشام، لكني سجلت هدف الافتتاح، وأُهديت الساعة الذهبية.
□ وهشام أخذ الساعة؟
- نعم، هشام أخذها ضحكنا ولعبنا، وفزنا بكأس العرب ثم، في النهائي، لعبنا مع سوريا كانوا متقدمين علينا بهدف في الشوط الأول، لكننا عادلناهم في الشوط الثاني وسجلنا هدفين وقتها، قال الرئيس عبدالسلام عارف كل لاعب من الفريق له ســاعة ذهبية لكن حين عدت إلى الحبانية، سمعنا في الراديو بأن الرئيس قد توفي إثر سقوط الطائرة، الله يرحمه ومنذ ذلك اليوم، أقول مازحًا في مقالاتي إن رئيس الجمهورية سرق مني ساعتين ذهبيتين!»
□ أول مباراة في حياتك كانت تعادل؟
- نعم، أول مباراة لي كانت في القاهرة أمام المنتخب اللبناني، وانتهت بالتعادل 0-0. وآخر مباراة دولية لي كانت في ملبورن، أستراليا، ضمن تصفيات كأس العالم 1974، أيضًا انتهت 0-0. وقد كانت في تلك الدورة إصابة عمو بابا، لكنها لم تكن في المباراة نفسها، بل قبلها.
□ هل تعتبر نفسك الآن في حالة تعادل، خسارة، أم فوز؟
- أنا دائمًا في حالة انتصار، دكتور. لا أقبل أن أكون في المؤخرة. أطمح دائمًا أن أكون في المقدمة، في كل شيء.
□ وفي التعليق، من تأثّرت به؟
- كنتُ دائمًا أُحب الأستاذ مؤيد البدري، رحمه الله. كنت أسمع له كثيرًا، وكان أحيانًا يُوجّهني. لكنّي ما كنت أتمنى أن أكون مجرّد نسخة منه. أول مباراة علّقتُ عليها كانت بين هولندا والمغرب. يومها، كتبت الصحف: هولندا فازت بالكأس، ونحن كسبنا معلقَين جديدين. كانت بطولة أمم أوروبا، وفاز بها الألمان على الاتحاد السوفيتي، بضربات جزاء.
□ تحب هولندا بشكل حقيقي؟ كم مرة زرتها؟
- زرت هولندا ثلاث مرات. مرة كان عندي إصابة بالعضلة الرباعية والقدم. والله، كنت أقول: «أريد ألعب هنا، وما أرجع لبغداد.» هالشي كان سنة 68.
-1968؟ كنت في قمة عطائك؟
- نعم،. كنت طالع من كأس العرب 67، وألعب وأنا فخور جدًا. ولو أقولها شوية تواضع، لكن بصراحة: أنا كل المباريات اللي لعبتها، ما كنت أبدًا احتياطياً للمنتخبات الوطنية.
- ولا مرة احتياط؟
أبدًا. وكل المباريات اللي لعبتها، ما اصبت، وما حصلت على إنذار، خصوصًا المباريات الدولية الرسمية، مثل مباريات كأس العالم العسكري.