الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بعد سنوات اللهب .. رقصت الشوارع فوق  الجراح

بواسطة azzaman

بعد سنوات اللهب .. رقصت الشوارع فوق  الجراح

عامر محسن الغريري

 

في الثامن من آب عام 1988، تنفّس العراق الصعداء. لا طلقات، لا مدافع، لا نداءات استنفار. انتهت الحرب، تلك التي التهمت زهرة الأعمار، وزرعت في كل بيت نداء غائب أو خبر شهيد. يومها، عمّ الفرح العراق كله، وخرج الناس إلى الشوارع بوجوه يبللها العرق والدمع معًا. السيارات تزغرد، والناس يرقصون عبر النوافذ، يغنون للحياة وكأنهم انتزعوها من بين أنياب الموت.ثماني سنوات من الجمر، بدأت ذات خريفٍ في أيلول عام 1980،  كنا يومها أطفالًا، نتجمع في بيوت الطين، تحيط بنا جدران تتصدع من الفقر لكن لا تنكسر، ننتظر المسلسل البدوي “متعب الشقاوي” على تلفاز غير ملوّن،في بيوت احد الجيران فإذا بخطاب الحرب يقطعه، ويقطع معه طفولتنا.لم تكن الكهرباء قد دخلت قرانا بعد، كنا نزحف خلف كبار السن، مشيًا على الأقدام، بحثًا عن بيتٍ فيه شمعة، فيه جهاز تلفاز،  كنا نرتوي ماءً بارداً، ونتدفأ على أحاديث البرامج الثقافية، ونُبحر في دراما المسلسلات العراقية والعربية، نسرق من الليل لحظات من الهدوء قبل أن يعصف بنا صباح جديد من اخبار الحرب.سنوات  مرّت كأنها دهر نزعت من البلدين آلاف الأرواح، وشلّت التنمية، وأطفأت أنوار المدارس، والمستشفيات، والمكتبات. ثمانية أعوام كانت كفيلة بأن تُنهك الأمة، وتفتّت أوصالها.ويوم انتهت الحرب، كأن العراق تنفّس بعد غرق طويل. كانت الشوارع تحتفل لا لأنها ربحت، بل لأنها بقيت حيّة. الناس يرقصون فوق الألم، لا نسيانًا بل تحدّياً. كانوا يحتفلون وكأنهم يقولون: “ما زلنا هنا… رغم كل شيء.”أما الغرب؟ فكان يقول بلا مبالاة: No problem. لا مشكلة! لأنهم كانوا يرون في دمائنا سوقًا للأسلحة، وفي حربنا تجارة، وفي جراحنا فرصة.

وهكذا، بقيت ذكرى وقف إطلاق النار محفورة في القلب وبين صفحات التاريخ تتذكرها الاجيال وتقرأ فيها سنوات اللهب ودموع الغائبين  وسكوت المدافع ورقص الشوراع.

 


مشاهدات 51
الكاتب عامر محسن الغريري
أضيف 2025/08/04 - 2:56 PM
آخر تحديث 2025/08/06 - 3:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 131 الشهر 3826 الكلي 11298912
الوقت الآن
الأربعاء 2025/8/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير