الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كان حلماً فتحقق

بواسطة azzaman

كان حلماً فتحقق

مهند الشاوي

 

أحمد شاب.. حاله حال أي شاب من الشباب المراهقين التواقين لحب ألحياة والمتعلقين بشيء ما، كان مهوسا بشيء أسمه سينما!! كان عاشقا لها حد الجنون، ولأفلام الكاوبوي خاصة.. كان يعرف أسماء الممثلين والمخرجين، ولا يفوته إسم أي فلم، ومنتجه وحتى سنة تمثيله.. شاب في مقتبل العمر يجري خلف طموحاته البائسة! لأنه قد نسي أنه إنسان!! فقير الحال يستجدي العطف لسد بعضا من جوعه وأمه.. لم يصل بفكره بعد ماذا تعني الأحلام وملابساتها والممنوعات التي تصاحب ذلك الحلم (أي حلم(..

في يوم من الأيام شاهد إعلان عرض لفلم من أفلام الكاوبوي الأمريكي للمثلين الشهيرين (ترانس هيل وبود سبنسر) الجميلة الممتعة، وقرر في نفسه أن يحاول الدخول ومشاهدة الفلم بأي شكل من الأشكال..

وقبل أيام من اليوم المقرر لعرض الفلم كد واشتغل في عمله من الصباح الباكر حتى اغلاق المحلات التجارية، حيث كان يعمل حمالا لنقل البضائع في السوق الكبير.. هذا اليوم كان مختلفا كثيرا (يوم العرض) تعب فيه من أجل توفير ثمن تذكرة دخول السينما.. وفعلا تمكن من أن يجمع ثمنها من فائض ما يقدمه لأمه من مصروف بسيط يوميا..

حمل نفسه مساء بكل طاقته المتهالكة من جراء عمله المضني واتجه نحو السينما، وكانت المفاجأة بالأنتظار!! إذ لم يسمحوا له بالدخول..

أمن السينما الواقفين أمام المبنى: تفضل وين رايح؟

أحمد: أريد أدخل اقطع تذكرة دخول الفلم.

أمن السينما: تفضل أخرج رجاء ممنوع الدخول!!

أحمد: ما بين ضحك مبكي وبذهول.. ليش ممنوع؟

أمن السينما: بابا أنت ما تشوف نفسك؟

أحمد: ليش آني شبيه؟

أمن السينما ضاحكا بأستهزاء... شوف نفسك شلابس؟

أحمد: يعني شلابس؟

أمن السينما: بابا لا تطوله شوف انت شلابس برجلك..؟ أنت ما تقرأ وتكتب.. مو كاتبين ممنوع الدخول (بالشحاطة)؟     

أحمد: شنو يعني علاقة ما البس برجلي بمشاهدة الفلم؟

أمن السينما: يلا بابا روح منا أحسن...

أسودت الدنيا بعيون أحمد وهو يحبس دموعه المسكينة، تلك التي بدأت تهطل من فرط هول المفاجأة نتيجة فقر الحال..

قرر أحمد أن يعمل أكثر لجمع مبلغا يغطي شراء حذاء مستعملا على الأقل من (الباله) ليعاود في يوم آخر مشاهدة الأفلام التي يحب.

أحمد (في محلات الباله) عمي بلا زحمة أريد حذاء سعره مناسب..

صاحب المحل: أبني شوف هاذي الأحذية مناسبة وجديدة (مستعمل جديد)..

أحمد: تفحص أحد الاحذية القديمة بموديلها (تشبه ما يلبسه الممثلون في الخمسينات ذات اللونين الابيض والاسود) لكنها نظيفة جدا قال عمي أريد هاي..

صاحب المحل: يضحك في سره (كأنه يريد التخلص من هذا الحذاء بالذات، كونه غير مرغوب)، وهو يقول أي يابه أخذه هاي ترهملك..  

فرح أحمد بالحذاء وكأنه قد امتلك سر دخوله لعالم يحبه.. مشاهدة الأفلام في السينما، إذ لم يعد هناك من يعترض على دخوله صالة السينما.

أحمد: يوم يوم .. (ينادي على أمه)

أم أحمد: هاي يوم إنت جيت خير شبيك؟

أحمد: اشتريت حذاء..

ام أحمد مندهشة: شلون!! شتكول يمهّ أمْينْ اشتريت حذاء؟ وأمين جبت فلوسه؟

أحمد: لا تخافي يوم.. شويه تعبت بالشغل أكثر ولميت فلوسه!!

أم أحمد: بالعافية يمة تستاهل كل خير..

وكعادة الفقراء فأن ما يشترونه يكون وفقا لإمكاناتهم البسيطة والتي يظهرون فرحهم بها مستحمدين الله..

أحمد.. يمسك قطعة من قماش قديم لينظف حذائه الجديد ولأول مرة منذ سنين يكون له حذاء.. ولولا موضوع السينما وشغفه ما كان يفكر أصلا به، كونه ترفا بالنسبة له ولمتطلبات العائلة واحتياجاتها..

يلاحظ أحمد وهو ينظف الحذاء أن غطاء الكعب ليس بوضعه الطبيعي!! وأن احد المسامير الماسكة لغطاء الكعب مفقودة، مما جعله يفكر بِانزعاج وأن عليه الذهاب الى مصلح الاحذية (الإسكافي) لتصليح حذاءه.. وهذا هم مادي آخر له.

وهو في حالة من التفكير المؤلم أمسك الكعب وحركه قليلا فإذا به يتحرك أي أنه غير محكم.. وكانت المفاجأة التي تنتظره!!

فبينما هو على هذا الحال يحرك غطاء كعب حذاءه فإذا بحبات بإحجام صغيرة براقة تتساقط من داخل الكعب.. صدم أحمد هل هو في حلم أم ماذا؟

استجمع وعيه وبدأ يجمع تلك الحبات المتناثرة هنا وهنا.. حتى احصاها بعدد يفوق ال خمسين قطعة صغيرة محفوظة بعناية داخل كعب الحذاء القديم.. مما دفعه الفضول إلى فتح غطاء الكعب الثاني.. وكانت الدهشة، إذ وجد نفس الكمية من تلك الحبات مخبأة داخل فردة كعب الحذاء الثاني.. لم يصدق ما يراه فجلس على سريره وصور أحلامه تتراءى أمام عينيه وهو ما بين حلم وصحو..

أحمد يركض نحو أمه.. أمي أمي يوم يمهّ

أم أحمد مذعورة: يمهّ شبيك شجاك تخبلت؟

أحمد تعالي بساع تعالي شوفي...

أم أحمد: خايب شبيك والله جننتني ما شايفتك فد يوم بهلحال؟

أحمد: دتشوفين نفس ما دا أشوفه لو أني دا أحلم؟

 أم أحمد شبيك يوم شنو ما شايف خرز؟

أحمد: (محبط) يوم يا خرز ليش أكو واحد يضم خرز بالحذاء؟

أم أحمد: (بقوة وعصبية).. ولك يا حذاء.     

أحمد: هذا الحذاء اشتريته من الباله ولكيتهن بالكعب من جوه..

أم أحمد: في حالة بهتان ظاهر للعيان.. يا عزه أي صدك.. عود ليش بالحذاء؟

أخذ أحمد التفكير والحيرة، إذ عليه أولا معرفة إن كان هذا الذي وجده حلالا عليه أم يجب إرجاعه إلى صاحب المحل أو ماذا يفعل..

أحمد لم يعد طبيعيا فهو مفلس وقد تكون هذه الخرز (كما سمتها أمه) مفتاحا لإنقاذه وأمه من الفقر الى الأبد ماذا يفعل؟

نام ليلته أو حاول أن ينام وهو لا يعرف ماذا قد يفعل..

توجه صباحا ألى عمله المعتاد بكل ذهول مما لفت انتباه العمال معه (الحمالين).. يسألونه وهو يبرر بأنه مجرد تعب.

أخذ قطعة واحدة من (الخرز حسب أمه) وذهب مساء إلى أحد الصاغة..

أحمد: السلام عليكم

الصائغ: منشغلا بالزبائن عليكم السلام.. تفضل عمو

أحمد: عمو شوف لي هذه القطعة شتسوه؟

الصائع: يأخذ القطعة ويضعها تحت المجهر.. فاذا به يرفع رأسه وينظر لأحمد دون أي كلام، ثم يعود للمجهر.. حتى رفع رأسه وقال انتظرني بابا يخف الازدحام..

أحمد بكل قلق (وكأنه سارق) حاضر عمي.

الصائع: من أين لك هذه القطعة.. هذه قديمة جدا؟

أحمد: (بتماسك).. صح قديمة هي لأمي من زمان وهسة رايدة تبيعها.

الصائغ: هل تعرف ثمنها؟

أحمد بذكاء... لا أعرف لكني فقط أعرف أنها غالية كثيرا.

الصائغ: بابتسامة خبيثة.. الآن تأكدت أنها لك ولامك وغير مسروقة.. وهي تساوي (........) وأنا اشتريها إذا أحببتم بيعها؟

أحمد: (مصدوما هل حقا ما يقوله الصائغ؟) نعم نبيعها لأننا بحاجة لثمنها (المبلغ كبير جدا فكيف بعدد كبير منها)... يحادث نفسه!!   

الصائغ: وإذا كان لديكم ماسة أخرى غيرها اشتريها أيضا..

أخذ أحمد المبلغ وهو لا يصدق أن ثمن واحدة فقط من هذه الماسات... وأن إسم الخرزة (ماسة) يعني الماس!!

أحمد: يمهّ وينك؟

أم أحمد: جيتك يمهّ هاي شنو؟

من وين هاي الفلوس؟

أحمد: بعت وحده من الخرز وطلعت هذه ماسة (يعني الماس)

أم أحمد: يا !! شنو إنت ما راح ترجعهن لأبو الاحذية؟

أحمد: شرجع يوم هذا الحذاء قديم ونايم بالمحل محد يشتريه والرجال كَيَّفْ من اشتريته يعني إلمن ارجعه وهو اكيد ما يعرف شي عنهنّ.. هذا رزقنه يوم شلون ارجعهن؟

أم أحمد: والله يا يمهّ بعد ما أعرف...

بدأ أحمد يبيع عدد من القطع في كل مرة لصائغ وقد جمع مبلغا كبيرا جعله وأمه يتحولون لمدينة جديدة ويشتروا بيتا مناسبا لهم، وشراء محل تجاري له للتجارة بالمواد الغذائية.. أخذت احوالهم بالازدهار خاصة وأن أحمد إنسان طيب ونزيه وساعد الكثير من الناس.

وأخذ يدخل كل اسبوع فلم قديم أو جديد ليتمتع بالسينما والأفلام التي يحب.

حلم يراود أحمد (ما زال) يحلم بالسينما!!

تجارة المواد الغذائية ممتازة جدا والخير كثير وهو ما زال يمتلك الكثير من الماسات..

قرر أحمد أن يحقق حلمه في شراء قطعة أرض كبيرة وبناء سينما (يضحك في سره) عن قراره الخطير، وهل حقا يستطيع أن يفعلها؟

بعد مضي بضع سنين ولأجل أن لا يلفت انتباه أحد حول ثروته قرر فعلا شراء الأرض وحصل عليها، وبعد تخطيط متأني شرع ببناء السينما كما أحَبَّ..

المشروع قارب على الإنتهاء والمبنى يسر الناظرين كلما مروا، وأهل المدينة فرحين بهذا التغيير في مدينتهم..

يوم الإفتتاح...

مبنى جميل بألوان أنيقة

موسيقى كلاسيكية هادئة

صور الإعلانات الملونة تحمل صورا للمثلين الكبار..

لافتة كبيرة عند مدخل السينما كتب عليها

((السينما ثقافة وليس بدلة أنيقة وربطة عنق.. تحية للفقراء))


مشاهدات 55
الكاتب مهند الشاوي
أضيف 2025/12/19 - 10:45 PM
آخر تحديث 2025/12/20 - 1:28 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 63 الشهر 14406 الكلي 12998311
الوقت الآن
السبت 2025/12/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير