الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإبعاد الرمزية للاعتداء الجسدي انموذجاً

بواسطة azzaman

انتهاك الكرامة الإنسانية في المنظومة المتطرفة

الإبعاد الرمزية للاعتداء الجسدي انموذجاً

حسين الزيادي

 

  ما تفعله بعض العصابات المشبعة بالفكر المتطرف من اعتداءات جسدية ضد الاقليات والطوائف الأخرى ليس مجرد إهانة شخصية عابرة، بل هي مسألة إعدام رمزي للكرامة والهوية، ومحاولة لإلغاء الآخر، وانتزاع  التاريخ والمكانة والهيبة، ورسالة إذلال وقهر متعمد، لتأكيد الهيمنة وكسر شوكة الآخر معنوياً ونفسياً، وهذا السلوك المشين يُعد امتداداً طبيعياً للمنظومة الفكرية المنحرفة التي تغذي الفكر المتطرف، فالاعتداء الجسدي على الأسير او المعتقل او أي مواطن ليس فعلا شكلياً ومظهرياً، بل هو عملية إخصاء ثقافي، وإعلان احتلال معنوي، لاسيما وان بعض الثقافات، تكتسب فيها بعض الدلالات الجسدية صفة شبه مقدسة، ورمزية روحية ترتبط بمعتقدات وتاريخ ورموز تلك الطائفة، ونحن هنا لسنا في معرض الدفاع عن احد، بل ندافع عن قيم الإنسانية والسلام والتعايش السلمي، واحترام الآخر مهما اختلف معنا في الميول والاتجاهات، فكيف اذا كان الآخر مكون وطني بارز في المجتمع.

   الفكر المتطرف في مفهومه العام يُربط أساسا بالطغيان والظلم واهانة المختلفين معه، والاستهزاء بعقائدهم، ونشر خطاب الكراهية، وزعزعة الامن المجتمعي، وهو بهذا يعارض تماماً تعاليم الإسلام التي يدعي زوراً انتماءه لها، لان الكرامة الإنسانية في التصور الإسلامي ليست منحة من احد، فالخالق جل وعلا هو الواهب لهذه الكرامة، ومن ثم فليس لاحد من البشر أن يسلب هذه المنحة، وهذا العطاء الرباني، كما أنها أي الكرامة الانسانية حق من الحقوق الذاتية التي لا تقبل الإسقاط؛ فلا یمكن التنازل عنها، وهي حق شائع لكل فرد من أفراد البشر بما هم بشر، أي لأصل الإنسان لا لوصفه، فلا تفریق بین الناس على اعتبار الدین، أو المذهب، أو العرق، أو الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو النسب، أو السلالة، أو أي امتیاز طبقي، أو وراثي، والضابط الرئیس في احترام كرامة الإنسان في التصور الإسلامي ھو احترامه كإنسان، والى ذلك ذهبت القوانين الوضعية، فقد عرّفت اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان فكرة الحط من الكرامة كمعاملة أو عقوبة تشمل اهانة الضحية بشكل فاضح أمام آخرين، أو تجبر المحتجز على القيام بأمر ما رغما عن إرادته أو ضميره، فانتهاك الكرامة الإنسانية ليس مجرد خرق لاتفاقية او ميثاق، إنه اغتيال للجوهر الإنساني المشترك، فالمواد القانونية التي تحمي الكرامة – من الإعلان العالمي إلى نظام روما – تشكل تعبيرا حقيقياً عن إرادة البشرية الجماعية في وضع حد للهمجية، بل إنها الحد الأدنى الذي يفصل بين الإنسانية والهمجية، وتمثل الكرامة الإنسانية حجر الزاوية في النظام القانوني الدولي الحديث، فهي ليست مجرد قيمة أخلاقية سامية، بل مبدأ قانوني ملزم يحظى بحماية متعددة المستويات عبر شبكة معقدة من المواثيق والآليات القضائية، لذلك جاء التأكيد عليها ضمن ديباجة القوانين والاعراف الدولية ، لذا فان انتهاك هذه الكرامة ليس خطيئة أخلاقية فحسب، بل هو جريمة دولية بامتياز، قد تصل إلى مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

لقد جرى تعريف مفهوم الاعتداء على الكرامة الشخصية في أركان الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية كأفعال تهين كرامة الشخص، أو تحط منها، أو تنتهكها، إلى درجة معروفة، وتضيف أركان الجرائم أنّ المعاملة الحاطة بالكرامة يمكن أن تطال الأشخاص الأموات، وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون الضحية شخصياً واعياً للإهانة، وجاءت النقطة الأخيرة لتشمل الإهانة المتعمدة للأشخاص الفاقدي الوعي أو المعوقين عقلياً.

  نصت المادة الاولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) على ان جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وهذا النص التأسيسي يجعل من الكرامة الإنسانية الصفة الملازمة للإنسان، والسابقة على أي اعتبار قانوني أو سياسي، اما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نص في المادة السابعة على انه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وتحظر هذه المادة صراحة أي فعل يحط من قيمة الإنسان الذاتية، كما نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على ان يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني، اما القانون الدولي الإنساني في المادة الثالثة فيحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، علما ان انتهاك الكرامة يتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى تجريد الضحية من إنسانيتها: كتدمير الإرادة وإهانة الجسد، والإجبار على السير عاريًا على سبيل المثال، أو الوقوف في أوضاع مهينة، أو التعريض للسخرية العلنية او قص اجزاء ظاهرة من جسده او حرمان الفرد من احترامه الذاتي بسبب هويته.

ومن الاتفاقيات التي نصت على الكرامة الإنسانية اتفاقیة القضاء على التمییز ضد المرأة المؤرخة ، واتفاقیة حقوق الطفل والتي اعتمدت بموجب قرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة ٢٥-٤٤ لعام 1989 ، وقد كرس الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 كرامة الإنسان في ديباجته التي نصت على: بما ان الاعتراف بالكرامة المتأصلة والحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع اعضاء الاسرة البشرية هو اساس الحرية والعدالة والسلام في العالم.


مشاهدات 210
الكاتب حسين الزيادي
أضيف 2025/07/23 - 3:43 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 6:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 472 الشهر 21290 الكلي 11274901
الوقت الآن
الخميس 2025/7/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير