ليلى في روايات العاشقين
ثامر محمود مراد
في عمق الليل، حين تتسرب الهمسات من بين طيّات الصمت، تولد الأسئلة، لا لتُجاب، بل لتكشف عن جرح خفيّ، عن قلقٍ يسكن الروح منذ أن تعلّمت كيف تزرع الاتزان في نبضها وتخفي انكساراتها خلف وقارٍ متعمّد.
هي امرأة لا تعبث بمشاعرها، تنسج لها أثوابًا من الوقار، وتدرّب نفسها على الحذر، حتى في طريقة جلوسها، في نظراتها، في ابتساماتها المحدودة. امرأة تعرف كيف تصون كرامتها، كيف تحفظ المسافة بين قلبها والعالم، لكنها الليلة وقفت أمام مرآة قلبها، مذهولة من سؤال خرج منها بجرأة لم تألفها.
لقد فاجأها قلبها، تجرّد من حصونه، ورفع راية السؤال بلا مقدمات: «هل أنت لغيري الليلة؟» سؤال لم يُرِد إجابة بقدر ما أراد أن يسمع نبرة صدق تُكذّب ما توحي به النظرات المترددة.
الصمت الذي تلا السؤال لم يكن بريئًا. لقد قال الكثير دون أن ينطق. كان أشبه بطعنة لا نزف لها، لكنها تخدر القلب وتتركه معلّقًا بين الرجاء والخوف.
هي لم تعتد أن تكون ليلى في روايات العاشقين. لم ترضَ أن تكون محطة مؤقتة أو ظلًّا لصورة في قلب رجل حائر. لكنها الليلة، رغم كل ما تؤمن به، وجدت نفسها تسأل، تكشف ضعفها، وتواجه مرآتها بلا زيف.
ما الذي غيّرها؟ أهو الحب؟ أم الشك؟ أم هو ذلك الشعور القاسي حين تشعر بأن قلب من تحب قد لا ينبض لك وحدك؟
الليل يمضي، والسؤال لا يزال معلقًا في الهواء، يرتجف بين شفاه لم تنطق وجفن لم يغمض. والصوت الوحيد الذي بقي في الداخل هو ارتباك امرأة كانت تظن أنها لا تسأل، لكنها وجدت نفسها تفعل، لأن الحب، حين يتسلل، لا يستأذن، ولا يتبع القواعد التي تظن أننا نكتبها بأيدينا.