الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
طب الأطفال .. إنتصار للرحمة والعلم

بواسطة azzaman

طب الأطفال .. إنتصار للرحمة والعلم

حسين الزبيدي

 

لم يكن “الطفل” في العصور القديمة أكثر من نسخةٍ مصغّرة عن الإنسان البالغ، لا في الطب فحسب، بل في أوجه الحياة كلها، حيث تعالج أمراضه بوسائل تقليدية، من دون إدراك علمي لإختلافاته الجسدية والنفسية عن البالغين، لكنّ الزمن أثبت أن الطفولة ليست مجرد مرحلة، بل كيانٌ فسيولوجي ونفسي مستقل، يتطلب فهماً دقيقًا ورعاية متخصصة؛ ومن هنا بدأت قصة “طب الأطفال”.

بدايات غامضة

في الحضارات القديمة، عُني بعض الأطباء مثل “أبقراط” و”جالينوس” بعلاج الأطفال، لكن من دون فصل واضح بين الطفولة والرشد، وكان الطب.. حينها.. خاضعًا للموروثات الشعبية أكثر من المعارف العلمية.

ومع بزوغ الحضارة الإسلامية، سطع ضوء مؤلفات الرازي فصولًا عن أمراض الرضع، وخصّص إبن سينا ضمن كتاب “القانون في الطب” مقاطع مفصّلة حول الحصبة والتسنين والتغذية، ممّا يُعدّ من اللبنات الأولى لما نعرفه اليوم بطب الأطفال.

إعتراف بالطفولة

في العام 1802 أُنشئ أول مستشفى للأطفال في باريس، بإسم Hôpital des Enfants Malades، ليُعلن ولادة أول مؤسسة صحية تُقرّ ضمنيًا أن للطفل خصوصيته الطبية، تتابعت بعدها المراكز الطبية المتخصصة حول العالم، وبدأت الجامعات الغربية تدريجيًا إعتماد “طب الأطفال” كتخصص مستقل مع نهاية القرن التاسع عشر.

إكرام الطفولة

شهد القرن العشرون ثورةً في الطب عمومًا، وإمتدّ تدفق هذا الزخم إلى طب الأطفال، الذي لم يبقَ مجرد “فرع” بل أصبح شجرةً وارفة الفروع؛ فظهرت تخصصات فرعية دقيقة، منها: حديثو الولادة، المولودون قبل أوانهم أو ذوي الحالات الحرجة، و               أمراض القلب، والجهاز الهضمي، والغدد الصماء للأطفال، والطب النفسي والسلوكي للطفل، الذي أصبح جزءًا لا يُستهان به في الطب الحديث.

ماضٍ ومستقبل

لماذا نحتاج إلى طب الأطفال اليوم أكثر من أي وقت مضى؟ لأن الأطفال ليسوا أجسادًا صغيرة فقط، إنما أرواحٌ هشّة، تتشكّل وتؤسِس لبُنية الإنسان في المستقبل؛ فالأمراض الطفولية إذا أُهملت؛ تصبح ملامح مزمنة ترافق الإنسان مدى حياته.

ولأن من حقّ كل طفل، في أي مكان، أن يُعامَل بخصوصيته، وأن يُصان حقّه في الحياة السليمة كما يصان حقه في التعليم والأمن والتنشئة السوية.

كيان تام

طب الأطفال ليس تطورًا طبيًا فحسب، بل إعتراف إنساني بأنه كيان قائم بذاته، يستحق أن يُفهم ويُحمى ويُعالج بما يليق به، ومن هنا، فإن تطور هذا الميدان الطبي لم يكن مجرد إنجاز معرفي، بل إنتصارٌ للرحمة والعلم معًا.

 

 

 

 

 


مشاهدات 69
الكاتب حسين الزبيدي
أضيف 2025/07/16 - 3:16 PM
آخر تحديث 2025/07/17 - 6:49 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 541 الشهر 11063 الكلي 11164675
الوقت الآن
الخميس 2025/7/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير