فضيحة النشر الزائف والفساد الأكاديمي
محمد الربيعي
بعد سنوات من الصمت المريب، والتراخي المتعمد، والتغاضي عن الفساد الاكاديمي الذي اصبح سمة بارزة في الجامعات العراقية، تعلن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فجاة عن تشكيل «لجنة تحقيق عليا» لفحص ادراج ثماني جامعات عراقية ضمن قائمة «العلم الاحمر» الدولية، التي تكشف تورط هذه المؤسسات في تزوير البحوث، وانتهاك النزاهة العلمية، والتلاعب بالنشر الاكاديمي. ولكن السؤال الاهم: اين كانت الوزارة طوال هذه السنوات؟ الم تكن تعلم ان الفساد الاكاديمي قد تحول الى صناعة كاملة، تديرها الجامعات وتشجعها الوزارة من خلال سياساتها الفاشلة؟ ام ان «الصحوة» المفاجئة جاءت فقط لان الفضحية اصبحت دولية، ولم يعد بالامكان اخفاء العار؟ الوزارة تتصرف وكان المشكلة بدات مع تصنيف «العلم الاحمر»، بينما الحقيقة ان معظم الجامعات والكليات العراقية – ان لم تكن جميعها – متورطة في النشر المزيف منذ سنوات. والاسباب واضحة:
1. قانون الترقيات العلمية الفاشل: الذي حول النشر الاكاديمي الى سباق محموم نحو الكم وليس الكيف، حيث اصبح الهدف هو «عدد الابحاث» بغض النظر عن جودتها او مصداقيتها. والنتيجة؟ اكوام من الاوراق المزيفة، منشورة في مجلات وهمية، او مسروقة، او مكتوبة عن طريق مصانع الاوراق البحثية.
2. الركض وراء التصنيفات الزائفة: بدلا من دعم البحث العلمي الحقيقي، اصبحت الوزارة والجامعات تلهث وراء ارقام وهمية لتحسين ترتيبها الدولي، حتى لو كان ذلك يعني الغش، والتزوير، وشراء الابحاث الجاهزة!
3. غياب البنية التحتية للبحث العلمي: كيف تطلب الوزارة من الباحثين نشر ابحاث حقيقية في مختبرات بلا ادوات، وجامعات بلا تمويل، ونظام اكاديمي بلا رقابة؟ البحث العلمي يحتاج الى ميزانيات، ومختبرات، وحرية اكاديمية، وليس الى اوامر بيروقراطية فارغة.
لا يمكن الحديث عن النشر الزائف دون التوقف عند الجامعات الاهلية، التي تحولت الى ماكينات لانتاج الابحاث المزيفة، حيث يتم تزوير البيانات، وشراء النشر، واختلاق النتائج، مقابل مكافات مالية وترقيات وهمية. والاسوا ان الوزارة تكافئ هذه الجامعات بدلا من محاسبتها، لانها ترفع عدد المنشورات في الاحصائيات الرسمية، حتى لو كانت تلك المنشورات لا تساوي حبر طباعتها.
الوزارة تريدنا ان نصدق انها «فوجئت» بتصنيف «العلم الاحمر»، رغم ان المشكلة معروفة منذ سنوات، والجميع كان يغض الطرف لان الفساد يمس كبار المسؤولين انفسهم. والان، بعد ان انتشر الخبر دوليا، يحاولون انقاذ ما تبقى من المظهر الاكاديمي الزائف بلجنة تحقيق قد تكون مجرد تمثيلية لاسكات الاصوات الغاضبة.
اذا كانت الوزارة جادة حقا في مكافحة الفساد الاكاديمي، فعليها:
1. الغاء قانون الترقيات القائم على الكم، واستبداله بمعايير الجودة والنزاهة.
2. محاسبة المسؤولين الذين شجعوا هذه الممارسات، بدءا من الوزراء، ورؤساء جامعات، وعمداء، ورؤساء اقسام متورطين في دعم شبكات التزوير.
3. توفير تمويل حقيقي للبحث العلمي، بدلا من التباهي بارقام وهمية.
4. القضاء على نظام المحاصصة السياسية واستبداله بنظام يضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
5. مقاطعة التصنيفات الدولية التي جلبت العار على الجامعات العراقية.
6. ضمان الحريات الاكاديمية وحق التدريسي في طرح الاراء والنقد البناء.
ولكن، هل ستجرؤ الوزارة على محاسبة الفاسدين، ام ان المحاصصة السياسية ستجعل اللجنة مجرد ورقة توت لتغطية العار؟
الوقت كفيل بالاجابة، لكن المؤكد ان الجامعات العراقية لن تنتج علما حقيقيا طالما ظلت تحت سيطرة الفاسدين.