الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحنية.. إعتراف متأخّر

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

الحنية.. إعتراف متأخّر

محمد صاحب سلطان

 

مثل صفائح رقيقة وصقيلة، تعكس أشعة الضوء الساقط فوقها، أجد ذاكرتي تشع بألوان طيف فيروزي، تتناثر صوره من زمن لآخر، كلما إستدعيت وقائع حوادث مرت في مراحل العمر المختلفة، ولاسيما تجارب الترحال والاقامة المؤقتة بسبب هذا الظرف أو ذاك، فأنظر إلى الماضي وأشكر الله، وأنظر إلى المستقبل وأثق بالله، لطبع يحتويني وسلوك واثق يعتريني، فأنا لست ممن يفتنون بالحجارة والطلاء، والخرسانة والابنية الشاهقة، وبالشوارع المبلطة وما تحويه جوانبها من مظاهر الترف والنماء الحضاري المتطور، من دون البشر!، لذا كنت أتحسس من الوحدة في كل مدينة أزورها برغم أجواء بعضها المبهرة والملفتة للنظر، والذي يجعلك تفكر ألف مرة بما كنت عليه في موطنك، ولكن هذا الانبهار يتلاشى سريعا عندما تتعامل مع بشرها، فثمة حزن داخلي، يعتري النفس ويظلل الروح المزروعة في موطنها الأصلي، فكلما أردت الانشغال بالحياة الجديدة وبعملها المضني بسويعاته الطوال، أجدني أنجر لا إراديا إلى دواخلي وانكفئ داخل صيرورة حياتي الأولى، وكأني جسد بلا روح، وثمة عظام تتحرك، ودماغ ينشغل بتوافه الحياة اليومية ولكن من دون إيقاع الروح التي يجب أن تعتريه.. مجرد مباهج سطحية وانتصارات عمل وهمية واعجابات متوالية ممن تعمل معهم، وأنت تتحفز  لنيل رضاهم، وكي تظهر نصاعة معدنك الحقيقي الذي تربيت عليه في الجدية والحرص والاخلاص في العمل والولاء للمهنة، وبذا تكسب الرضا والاحترام والاعجاب فيما تقدم، بل تزغلل عيون الآخرين فيما تقدم، بذكاء فطري جبلت عليه!، ولكنك في دواخلك، حزين، منكسر، تعيش في متاهة الترحال والترقب، وعينك ترنو نحو أفق يمتد إلى صوامع بهجتك الأولى، وإلى دروب نشأتك الأولى، والى أصوات أمك وأبيك واخوتك وزملاء دراستك، لأنك تكتشف ولو بعد حين، إن لا أصدق من مشاعر الحنية واللهفة في عيون من تحب من الاهل والأصدقاء، إذ ربما تجد في تلك المدن، كل شئ حلو ومبهر، ولكن لن تجد من يحنو عليك، كون (الحنية) صناعة وطنية خالصة لن تجد مثيلها في أي مكان آخر، فكلمات مخاطبتنا للبعض تختلف (حبيب، فدوة لقلبك، آغاتي، عيوني، أموت عليك، أروحلك فدوة) وغيرها الكثير، لا ينطقها إلا من يحس بها، وبنغمات متموسقة لن تسمعها في مكان آخر!، أي صناعة نحن؟ ولماذا نحن المعذبون، نمتلك كل تلك الحنية؟، بل ونفضل الآخرين على أنفسنا، تعرق جباهنا ويجتاحنا الخجل عندما نخاطبهم، أو يطلب منا مساعدتهم، لماذا نحن نثق بالآخرين دونهم، ولماذا نتعامل بطيبة زائدة مع بعضهم؟.

وأعود أراجع أسباب تأخرنا، وهزال أبداننا، وضعف ذاكرتنا، ولن أجد غير حسن النية والطيبة التي يستغلها الآخرون كسلاح ضد أنفسنا، المتمثلة بقوة الصلابة على المبادئ والقيم التي تربينا عليها، فما بالك لو نجح الزمان وأخفق الإنسان، في محو الذاكرة ومسخ الحقيقة، من أن الإنسان يعيش ويحيا لإجل مكتوب وقدر محسوب، عموما طيبة القلب الغالبة على الطبع والتي تحد من التطبع بسلوك آخر، تعد علامة فارقة للطيبين من أبناء شعبنا، فطوبى لهم ولمن سار على دربهم، واللعنة على من يمس شغاف قلوبهم بالأذى والإحتيال، فهم العون والسند والمستقبل الذي ننشد.

 


مشاهدات 267
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/04/12 - 2:26 AM
آخر تحديث 2025/04/12 - 10:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1108 الشهر 11489 الكلي 10592136
الوقت الآن
السبت 2025/4/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير