إذا قال كيسنجر.. فعلت أمريكا
سعد سلمان المشهداني
كتب لي لحسن الحظ ان أطلع على المقال الذي كتبه زبيغينو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس ريغان في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية عام 1992 وأعادت نشره صحيفة الشرق الأوسط إحدى قنوات الإعلام التي تحاول تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم والتي اعتمدتها الخارجية الأمريكية لتحقيق أهدافها ضمن مجموعة من وسائل الإعلام تسمى (المجموعة الأمريكية الذكية) وكان المقال يتحدث عن الإستراتيجية الأمريكية التي ينبغي اعتمادها في الشرق الأوسط حيث قال بريجنسكي في حينه : ((مكتوب على حائط الإستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط إضعاف العراق الى عام 2005 الى ان تنفذ استثمارات النفط الأمريكية في الكويت والسعودية حينها سندخل العراق أصدقاء الى الأبد)) . ولم أدرك في حينها ان كلمة (إضعاف) تعني ان المخطط الأمريكي كان يريد إبقاء الحصار الدولي على العراق الى عام 2005 ولم أدرك في حينها أيضاً ان عبارة (سندخل العراق أصدقاء الى الأبد) تعني ان الولايات المتحدة الأمريكية ستغزو العراق لتبقى متنفذة فيه الى الأبد .
واليوم وبعد ما يقرب على الثلاثين عاماً لكتابة مقال بريجنسكي يطل علينا هنري كيسنجر شيخ الدبلوماسية الأمريكي ووزير الخارجية الأسبق وأحد أبرز أقطاب الصهيونية العالمية بمقال جديد يصف فيه مطالبات الربيع العربي المتكررة بالتدخل الخارجي لحل أزماتها الداخلية، وعلى رأسها سوريا، بأنها (تهديد قد يقلب المفاهيم السائدة في النظام العالمي الحديث). وأوضح كيسنجر، في مقالة تحليلية له بصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، أن (النظام العالمي الحديث هو ذلك النظام الذي أقر بمعاهدة سلام (وستفاليا) عام 1648? التي أنهت حرباً دامت ثلاثين عاماً بين القوى الكبرى (الحربين الأهليتين)، إضافة إلى إرساء مفهوم الدول الحديثة المستقلة ذات السيادة) . ورأى أن نظام (وستفاليا) وقيمه لم تطبق أبداً بشكل كامل على دول منطقة الشرق الأوسط ، متسائلاً: (هل ستخاطر أمريكا بتكرار تجربة حركة طالبان في أفغانستان التي سلحتها لمحاربة الاتحاد السوفيتي الغازي، وتحولت فيما بعد إلى تحد أمني لها؟). ورأى كذلك أن إيران هي ضربة البداية في الحرب العالمية الثالثة التي سيتوجب فيها على إسرائيل احتلال نصف الشرق الأوسط . وقال كيسنجر: لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الإستراتيجية لنا خاصة وأنها تحتوي على النفط وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون (الانفجار الكبير) والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأميركا وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لاحتلال نصف الشرق الأوسط. وأضاف: ان طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لا يسمعها فهو بكل تأكيد (أصم). وأوضح كيسنجر أن إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهزه أميركا وإسرائيل لكل من إيران وروسيا بعد أن تم منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد لنبني مجتمعاً عالمياً جديداً لن يكون إلا لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية (السوبر باور). وكما فعلت أمريكا حينما قال بريجنسكي عام 1992 يتعين علينا ان ندرك اليوم ان أمريكا ستفعل كما قال كيسنجر وان المستقبل القريب كفيل بإثبات صحة ذلك .
{ استاذ دكتور