فاتح عبد السلام
عنصر سلاح الجو الأمريكي تقدم بخطوات واثقة وهو يتحدث عن انه رافض للإبادة الجماعية الحاصلة في قطاع غزة، ثم وقف امام بوابة كبيرة للسفارة الإسرائيلية في واشنطن وسكب مادة سريعة الاشتعال على رأسه واشعل النار صارخا، الحرية لفلسطين ثلاث مرات قبل ان يختنق صوته بين اذرع اللهيب العنيف.
المشهد مرعب ويهز الضمير الإنساني حقاً، لكنه ليس اكثر رعبا من أطفال ونساء يحترقون بالقصف المستمر في قطاع غزة منذ ما يقرب من مائة وخمسين يوماً، من دون ان تكون هناك كاميرات تصور ما يحدث، اذ يصل الصحفيون في احسن الأحوال بأعدادهم النادرة التي تتناقص يوما بعد آخر بالاستهداف، وقد خمدت الانفاس والصرخات، ولم يبق سوى ذلك الرماد الذي يعقب الجحيم الناري.
ليس مفهوما مطلقا أنّ العالم الذي رأى ذلك الجندي الأمريكي بزيه الرسمي محترقاً، ان يبقى صامتاً وعاجزاً، تاركاً مصير مليونين وثلاثمائة ألف فلسطيني رهن قرارات جنونية غاشمة لرئيس وزراء إسرائيلي يريد الهروب الى امام بعد ان فقد البوصلة ووصلت فضيحة إسرائيل اول مرة في تاريخها خلال حكمه الى محكمة العدل الدولية وحملت دول كبيرة عدة، منها البرازيل وجنوب افريقيا العلم الفلسطيني الذي أصبح حمله ورسمه تهمة يعاقب عليها القانون في بعض بلدان العرب.
حرق الجندي الأمريكي نفسه أمام الكاميرا، ليس حدثاً سهلاً وعابراً، إنه علامة من العلامات التي من الصعب طمسها في تيارات الرأي العام في الولايات المتحدة، والعالم الغربي على نحو الخصوص.
انها حجرة كبيرة ورميت في بركة راكدة، ستجلب لا محالة تغيرات في التعاطي الإعلامي والإنساني مع مأساة الفلسطينيين المستمرة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً، ذلك الشعب الذي لا يزال أمله كبيرا في إقامة دولته على ترابه بالرغم من هذا الخلط الكبير في السياسة الدولية بما يرجح وجهة النظـر الإسرائيلية في كل شيء.
ضمير العالم ليس غائباً ، ربما ضمير بعض العرب غائب، لكن هذا لا يحمي الضمير العالمي من التعرض للطعنات بأسماء مختلفة تتوافر على الترغيب والترهيب.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية