المريض وطبيب الرحمة
محمد مجيد الدليمي
حكى لي صديقي السبعيني الطيب ابو حيدر , قصة واقعية قديمة , معبرة وشيقة , تحمل في مضمونها البسيط معاني انسانية وقيم الامانة والاخلاص في المهنة ومفادها :
كان هناك رجلا اربعينياً يعاني من وجع و صداع مزمن لم يعرف سببه , وقد راجع المستشفيات وعيادات الاطباء لعلاج حالته المرضية وصرف نقودا كثيرة , لكن دون جدوى ولم يفلح في الخلاص من ذلك الوجع اليومي , وبقي على هذه الحال عدة اشهر . مما جعله يشعر باليأس من مراجعة الاطباء والمستشفيات من خلال اخذ الاشاعة واجراء التحاليل المرضية لمعرفة علة ذلك الوجع .والذي اخذ يتعايش معه .
وذات يوم خرج وقت العصر , يتمشى في شارع الرشيد وبالمصادفة مر امام عمارة قديمة واخذ ينظر الى بابها ودرجها (السلم ) الذي يعلوه لوحة عيادة طبيب , وفجأة فكر مع نفسه ان يصعد هذا الدرج ويدخل عيادة الطبيب , عسى ان يجد عنده العلاج لذلك الوجع اليومي المزعج الذي يعاني منه ..عندها صعد درج العمارة ودخل العيادة ووجد طبيبا كبير السن نحيفا يجلس وراء طاولة , طلب منه ان يجلس امامه ويشرح حالته المرضية , وبعد ان شرح له ذلك , قام الطبيب من مكانه وبدا يفحص اذنه وعينه وراسه ثم طلب منه ان يفتح فمه , واخذ بيده مطرقة صغيرة تشبه (الجاكوج ) وبدا يطرق على اسنانه واحد تلو الاخر الى ان وصل سن من اسنانه وطرقه , حيث صاح الرجل المريض بأعلى صوته ( اخ اخ ) ثم طلب منه الطبيب النزول الى طبيب الاسنان في الطابق الارضي من العمارة , و ان يقلع هذا السن المعلول , وبعد قلع ذلك السن , شعر الرجل بالراحة وعادت حالته الطبيعية , وحمد الله على ذلك , حيث تبين ان الوجع والصداع كان من جراء عصب السن المقلوع ..فقد كان يضرب على الراس ويسبب وجعا وصداعا , بعدها عاد مسرعا الى الطبيب وشكره كثيرا على علاجه من الوجع اليومي , وقرر ان يدفع له اجرة العلاج 50 دينار بدلا من الاجرة المحددة 5 دنانير , الا ان الطبيب رفض المبلغ 50 دينار واخذ خمسة دنانير فقط , مما دفع الرجل ان يرفع يداه الى السماء ويدعو له من الله تعالى ان يطل بعمره ويحفظه , فرد عليه الطبيب هذا هو الذي اريده , حتى نستمر في اداء رسالتنا الانسانية في علاج الناس , لأننا اطباء رحمة ورسالة وليس مثل بعض التجار همهم الوحيد الربح الوفير ... (انتهت القصة) . ومن جانبنا نقول كما يقولون الاخيار (اذا خليت قلبت ) وان الاخيار والطيبين موجودين .