جلد الذات قبل التصويت بعشر دقائق
حسن الحيدري
منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة ظل هاجس السلطة وذاكرة الماضي الثقيل يحكمان توازنات المشهد السياسي والاجتماعي فالعراق بلد التنوع الديني والمذهبي والقومي لم ينج من صراعات الهوية التي صاغت وعي جماعاته وأثرت في رؤيتها للحكم والسلطة والعدالة
في التجربة الشيعية تحديدا تشكل الخوف من عودة النظام الاستبدادي واحدا من ابرز المحركات العميقة التي توجه الموقف السياسي اكثر من اي ايديولوجيا حزبية او تيار فكري فذاكرة الحروب الطويلة والاعدامات والتهميش الذي عاشه الشيعة خلال عقود ما زالت حاضرة في اللاوعي الجمعي وتؤثر في سلوكهم الانتخابي والسياسي حتى اليوم. من هنا يمكن فهم كيف ان مفاهيم مثل التمكين ورفع الظلم والحاكمية الشيعية لم تعد تعني مشروعا طائفيا بقدر ما تمثل في نظر كثيرين ضمانة ضد تكرار الماضي القاسي فكل شخصية او حركة تسهم في تعزيز هذا الشعور بالامان الجمعي ترى بطلا في المخيال الشيعي العام سواء كانت دينية او مدنية او ليبرالية. وربما لهذا السبب نجح النموذج الايراني في استيعاب التناقضات بين الإسلامي والليبرالي واليساري داخل الاطار الشيعي الواحد لانه يقوم على اساس شعور جماعي بالانتماء والمصير المشترك اما في العراق فإن التنوع الفكري غالبا ما يصطدم بذاكرة الانقسام والخوف من عودة (الحاكم السني) كما يختزل في الوعي الجمعي بصورة رمزية تجمع بين الحجاج وصدام وكل من مثل القسوة في التاريخ السياسي ليس في هذا الخوف نزعة عدائية بقدر ما هو استجابة تاريخية لقرون من الاضطهاد والتهميش فالشيعة في العراق كما في سائر المجتمعات التي عانت من القهر لا يتحركون بدافع الكراهية بل بدافع الحذر من تكرار المأساة ومن الطبيعي ان تكون لذلك انعكاسات سياسية والمشاركة في الانتخابات والتحالفات وصياغة القرار الوطني. ما يحتاجه العراق اليوم ليس انكار هذه المخاوف بل تفهمها ومعالجتها من خلال عقد وطني جديد يضمن العدالة لكل المكونات ويؤسس لثقة متبادلة تخرج الذاكرة من دائرة الصراع الى افق التعايش عندها فقط يمكن للايديولوجيا بكل أطيافها ان تتحرر من ثقل الماضي ويتحول التنوع من وسيلة للدفاع إلى وسيلة للبناء.