الوحدة .. الوجه الخفي للألم
هدير الجبوري
أحياناً لا تكون الأزمة في تفاصيل ما نمرّ به، بل في ثقلها على الروح حين لا نجد أحداً نشاركه هذا الحمل. هناك لحظات لا يُحتمل فيها البوح، ليس لأننا لا نريد، بل لأننا لا نستطيع. نصمت، ونخفي ، فيغدو الصمت بحد ذاته جداراً عالياً بيننا وبين الآخرين.
في مثل هذه اللحظات، يصبح الإنسان أحوج ما يكون إلى كلمة، إلى حضور ولو عابر، إلى نفس يبدّد خوفه ويكسر وحشة العزلة. ليس شرطاً أن يكون من قريب، بل ربما شخص بعيد، غريب، لا يعلم شيئاً عن تفاصيل ما نعانيه، يكفي أن نشعر أنه يرانا بصدق. كلمة منه قد تنقذ روحاً تتهاوى، نظرة حانية قد تُعيد إلينا ما ظننّاه قد ضاع من طمأنينة.
أصعب ما في الأزمة أن تعيشها وحيداً. أن تُدرك أن لا أحد يعرف مقدار ما ينهشك من الداخل، ولا أحد يسمع ارتجاف قلبك في منتصف الليل. الوحدة في هذه الأوقات ليست فراغاً حولك، بل فراغاً في داخلك، خواء يمتدّ في الروح حتى يكاد يُطفئ كل شيء.
في لحظة كهذه تجد نفسك تحتاج للمواساة على هيئة كلمة حتى لو كانت هذه الكلمة من طفل لا يعرف معنى الأزمة لكنه يعرف معنى الحنان الفطري.
وقد تضيء ابتسامة عابرة عتمة أيامك، وتمنحك شعوراً بأن العالم لا يزال فيه ما يستحق البقاء والجهاد .
فالأزمات، في جوهرها، لا تُقاس بحجمها وحدها، بل بمدى الوحدة التي تحاصرنا ونحن نواجهها. وأقسى ما في الحياة أن تأتي الأزمات عارية من الصحبة، مجرّدة من الكلمة، وأن يجد الإنسان نفسه في أعمق اللحظات وجعاً… وحيداً