الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ورقة قديمة بوجه جديد.. الطائفية في إنتخابات العراق 2025

بواسطة azzaman

ورقة قديمة بوجه جديد.. الطائفية في إنتخابات العراق 2025

فارس الخطاب

 

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يطفو على سطح المشهد السياسي من جديد شبح الطائفية، في محاولة من بعض القوى لاستغلال الهويات الفرعية كوسيلة لكسب الأصوات. المشهد الذي حاول العراقيون تجاوزه منذ سنوات يعود بثوب جديد، في ظل منافسة محتدمة بين القوى الشيعية والسنية والكردية، وتراجع الثقة بالهوية الوطنية الجامعة.

التقارير المحلية تشير إلى أن الحملات الانتخابية بدأت مبكرًا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث نشطت حسابات عديدة، بعضها وهمي، في بث رسائل مشحونة بالانتماءات المذهبية والإثنية. ورغم وجود قوانين عراقية تجرّم خطاب الكراهية، فإن التطبيق العملي لتلك النصوص لا يزال ضعيفًا، ما يسمح بانتشار هذا الخطاب في الساحة الانتخابية بلا رادع فعلي.

في خضم هذه الأجواء، يسعى الإطار التنسيقي الشيعي إلى إظهار نفسه بوجه مختلف، محاولًا الابتعاد عن الطائفية عبر خطاب يرتكز على البرامج الاقتصادية والخدمية، لا سيما في المحافظات المختلطة مثل نينوى وديالى وصلاح الدين وقبلهم جميعاً، بغداد. هذا التوجه يهدف إلى كسر الصورة النمطية عن كونه حارسًا لهوية مذهبية معينة، والتحول بدلًا من ذلك إلى بديل وطني قادر على إدارة الدولة بفعالية. في المقابل، عاد مقتدى الصدر ليشعل الساحة بإعلان نيته عدم خوض الانتخابات، مرسلاً رسالة للقوى الشيعية الأخرى مفادها: «من أراد أن يصطف مع السلطة فعليه أن يفعل، ومن أراد أن يقاطع فليسأل ضميره، مؤكداً ثوابته في أن « لا إصلاح حقيقي ممكن في العراق لا يكون إلا بتسليم السلاح المنفلت إلى الدولة».

أما القوى السنية، وفي مقدمتها تحالفي «تقدم» و»عزم»، فلا تزال تتأرجح بين خطاب يركز على الهوية المذهبية، ومحاولات مترددة لتقديم برامج اقتصادية وخدمية تلبي تطلعات جمهورها. المشهد الكردي بدوره يشهد حراكًا نحو تشكيل كتلة موحدة، تضع نصب أعينها ضمان «صفقة كردستان» في أي تسوية حكومية مقبلة، ما يعكس استمرار منطق المحاصصة، وإن بطرق أكثر براغماتية.

انتخابية مؤقتة

الخطورة في هذا السياق تكمن في أن العودة إلى الطائفية لا تقتصر على كونها وسيلة انتخابية مؤقتة، بل تحمل معها احتمالات إعادة إنتاج أجواء الانقسام التي خبرها العراق سابقًا. مناطق مثل كركوك والموصل وديالى، حيث تتداخل الهويات الدينية والقومية، مرشحة لتكون بؤر توتر جديدة إذا ما تفاقم استخدام هذا الخطاب. وهذا ما يجعل أصواتًا مثل تيار الحكمة، الذي دعا علنًا إلى نبذ الطائفية وتبني مشروع اقتصادي بعيد عن الاعتماد المفرط على النفط، محورية في رسم ملامح بديل مدني ووطني.

غير أن التحدي لا يقتصر على الخطاب السياسي المباشر، بل يشمل أيضًا دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى ساحات رئيسية للتأثير في الرأي العام. كثير من الحملات الطائفية اليوم تُدار من وراء شاشات عبر رسائل مختصرة وشعارات لافتة، ما يجعلها أكثر قدرة على الوصول إلى الناخبين من أي وقت مضى. وفي ظل غياب رقابة قوية على هذا الفضاء، تتعاظم المخاوف من تحوّل الانتخابات المقبلة إلى ساحة صراع هوياتي بدلًا من أن تكون ساحة تنافس برامجي.

ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن هناك مؤشرات على رغبة بعض القوى في تجاوز الخطاب الطائفي، ولو بحذر. فالتجربة المريرة التي عاشها العراقيون خلال العقدين الماضيين، من حروب داخلية وصراعات مذهبية، خلقت وعيًا شعبيًا متزايدًا بخطورة الانزلاق مجددًا في هذا الطريق. لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنتصر هذه الرغبة على حساب المصالح الانتخابية الضيقة؟

إن انتخابات العراق 2025 تقف على مفترق طرق. فإذا تغلّبت فيها الهويات الضيقة، فإنها قد تفتح الباب أمام جولة جديدة من الانقسام وعدم الاستقرار. أما إذا نجحت القوى السياسية في توجيه خطاباتها نحو البرامج الاقتصادية والتنموية، فإنها قد تشكّل بداية حقيقية لتحول نوعي في الحياة السياسية العراقية، بعيدًا عن إرث الطائفية الذي أثقل كاهل البلاد لعقود. نعم إذا استطاعت القوى الإصلاحية والتيارات العقلانية أن تفرض نفسها عبر برامج تنموية وخدمية واضحة، فقد تكون هذه الانتخابات فرصة تاريخية لإعادة رسم المشهد السياسي على أسس جديدة. النتيجة النهائية ستعتمد على وعي الناخبين وقدرة النخب على كبح جماح الاستقطاب، وهو ما سيحدد إن كان العراق مقبلًا على دورة جديدة من الأزمات وربما التدخل الأجنبي، أم على بداية تحول يفتح أفقًا جديدًا لدولة المواطنة والتنمية.

 

 


مشاهدات 117
الكاتب فارس الخطاب
أضيف 2025/08/04 - 3:27 PM
آخر تحديث 2025/08/05 - 7:49 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 664 الشهر 3609 الكلي 11298695
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/8/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير