الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصراع بين الفرض والقرض (2)

بواسطة azzaman

الصراع بين الفرض والقرض (2)

سياسات الغضب الهوياتي

منقذ داغر

 

«الصراع من أجل الاعتراف أو التقدير كان المحرك الأساس للتاريخ البشري وهو القوة الأساسية التي تفسر بروز العالم المعاصر» الفيلسوف الألماني هيغل.

 

منذ أن طرح كارل ماركس Karl Marx  نظريته التي أكدت أن الصراع السياسي ما هو الا انعكاس للصراع الاقتصادي فقد بات ذلك المعتقد ركناً أساسياً في تفسير الصراعات الإنسانية. مع ذلك فقد ظهرت مؤخراً صراعات سياسية دولية لا يمكن تفسيرها بالعنصر المادي فحسب. فقد كانت الدوافع الإنسانية الثقافية المحرك الأساس وراء كثير من الصراعات الحديثة حتى باتت ما أسماه المفكر السياسي فوكوياما Fukuyama  بسياسات الغضب politics of resentment أو حتى سياسات الهوية  Identity politics هي احدى المحركات الأساسية لصراعات مثل الحرب الروسية الأوكرانية، أو حتى التنافس الصيني مع الغرب.

هوية وطنية

فقد تحدث الرئيس الصيني زي جي بينغ  Xi Jinping بإسهاب في أحدى خطبه عن قرن من المهانة الغربية التي اشتركت فيها اليابان وامريكا وغيرها من الدول لمنع الصين من استعادة دورها الحضاري المتفوق عبر التاريخ! لقد جسدت الهوية الوطنية العنصر الأساس لثقافة الشعوب المختلفة وبات مصطلح صراع الثقافات أحد المصطلحات الشائعة في ادبيات السياسة المعاصرة.

تطور مفهوم الهوية الوطنية جنباً الى جنب مع مفهوم الدولة القومية nation state الحديثة. بدأ هذا المفهوم اجتماعيا في فترة ما قبل الدولة الحديثة حيث كان يدور حول الهوية الاجتماعية social identity للجماعة سواءً كانت تلك الهوية قبلية أي مرتبطة بالإنتماء لقبيلة أو عشيرة، أو مرتبطة بالإنتماء لدين أو طائفة معينة ولم يكن البعد الجغرافي للهوية حاسماً لحين إقرار أسس الدولة الحديثة التي قوامها المنطقة الجغرافية المحددة بشكل واضح للجميع. وحين ظهر مفهوم الدولة كونها أحد أشكال التنظيم البشري الذي يستند لفكرة السيادة على أرض معينة وشعب معين، دون تحديد لديانة أو أثنية أو تبعية ذلك الشعب، برز مفهوم الهوية الوطنية كعنصر رابط لمختلف الشبكات الاجتماعية التي تضمها تلك الرقعة الجغرافية بغض النظر عن أصولها أو فصولها المتباينة. وقد تعزز ذلك المفهوم كثيراً بعد التطورات السياسية والأقتصادية التي شهدها القرنان السابع والثامن عشر إذ برز مفهوم الإمبراطوريات أو الملكيات الدستورية وبدأت مرحلة أقتصادية إنتقالية تأثرت بالتكنولوجيا والثورة الصناعية فتشكلت البورجوازية المدينية على أنقاض الإقطاع. تَوّجت تلك التطورات السياسية-الأقتصادية بالثورة الفرنسية في 1789 التي كان لها أثر حاسم على مفهوم الهوية الوطنية باتجاهين رئيسين. الأول هو الاتجاه المفاهيمي السلطوي حيث صارت السيادة للشعب بدلاً من السيادة لله او للملك أو حتى للدستور وباتت أفكار جان جاك روسو عن الإرادة العامة للشعب وعقده الاجتماعي هي السائدة في نظريات الحكم. أما البعد الثاني فهو البعد الديني حيث تمت عملية توطين أو تأميم للكنيسة ودورها، فوُضعت الكنيسة في خدمة الأمة وليس في خدمة سواها. لعب هذان الاتجاهان دوراً حاسماً في تأسيس مفهوم الهوية الوطنية للشعب أو للأمة ليس على أساس معيار اجتماعي (قبيلة،دين،طائفة) بل على أساس سياسي (الدولة-الأمة). لقد بات ثابتاً في الأدب السياسي ان أي دولة تتكون من مستويين أساسيين متداخلَين ومتفاعلَين: نظام مادي مؤسسي يتم التعبير عنه بمختلف مؤسسات الدولة وقوانينها.

مؤسسات دولة

ونظام شعوري إنساني يتم التعبير عنه بالهوية الوطنية. أن ضعف أي من هذين النظامَين لابد أن ينعكس على الآخر وفاعليته وهو ما حصل عندنا في العراق وفي كثير من الدول المحيطة. وفي الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أن الضعف والوهن الذي أصاب أممنا وشعوبنا ناجم عن ضعف الحكام أو خيانتهم أو عدم كفاءتهم ، فأني أعتقد جازماً أن المشكلة الأساس كامنة في هذين المستويَين (المادي المؤسسي، والشعوري الجماعي).

أن ضعف مؤسسات الدولة وقوانينها ودستورها لا بد أن ينعكس على الجانب الشعوري للمواطن وثقته في قدرتها على حمايته أو ممارسة وظائفها التقليدية (الحماية والخدمات) تجاهه. هذا ما يجعله يلجأ لبدائل أخرى تعوضه عن الدولة فيصبح مديناً بالفضل لتلك البدائل(العشيرة والمؤسسة الدينية او الطائفية) مما يجرد مؤسسات الدولة من أهم عناصره فاعليتها واقصد به ثقة المواطن. وكأي منتِج خدمة أو سلعة، فان الضربة القاضية التي يمكن أن توجه لها هي فقدان ثقة المستهلك أو المستفيد من الخدمة فتصبح تلك المؤسسات كبئرٍ معطلةٍ وقَصرٍ مشيد. من جانب آخر فأن فقدان الشعور بالهوية الوطنية(الأساس الثاني للدولة) قد لا يؤدي فقط الى فقدان الدولة لمواطنيها، بل الى ما هو أخطر من ذلك وهو الشعور بالولاء والانتماء لهويات وكيانات عابرة لحدود الدولة ومهددة لسيادتها.

أن خيانة الدولة لا تبدأ بتجنيد مواطنيها كعملاء أو جواسيس للأعداء، بل تبدأ منذ شعور هؤلاء المواطنين أنهم غير متساوين مع الغير وأن هذه الدولة لم تعد دولتهم.

 يقصد بالقرض هنا هو النظم الصحيح المبني على قواعد.يقال قرض الشعر أي نظمه.

 

(كان للثورة الفرنسية أثر حاسم على مفهوم الهوية الوطنية باتجاهين رئيسين. الأول هو الاتجاه المفاهيمي السلطوي حيث صارت السيادة للشعب بدلاً من السيادة لله او للملك أو حتى للدستور وباتت أفكار جان جاك روسو عن الإرادة العامة للشعب وعقده الاجتماعي هي السائدة في نظريات الحكم. أما البعد الثاني فهو البعد الديني حيث تمت عملية توطين أو تأميم للكنيسة ودورها، فوُضعت الكنيسة في خدمة الأمة وليس في خدمة سواها).

 


مشاهدات 105
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/07/26 - 3:12 PM
آخر تحديث 2025/07/27 - 4:50 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 192 الشهر 17834 الكلي 11171446
الوقت الآن
الأحد 2025/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير