الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عقدة 14 تموز المختلف عليها

بواسطة azzaman

أذن وعين

عقدة 14 تموز المختلف عليها

عبد اللطيف السعدون

 

العراقيون الذين ولدوا في يوم 14 تموز (يوليو) عام 1958 يحتفلون هذه الأيام بعيد ميلادهم السابع والستين وسط  ضجيج يتصاعد كل عام، محوره سؤال  تحول مع الزمن الى عقدة: هل ان ما حدث في ذلك اليوم هو ثورة أم هو انقلاب؟، وهو يشبه سؤال «الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة» الذي قيل أن ارسطو أطلقه في غابر الزمان، وخلص منه الى أن الأمرين صحيحان حيث جاءت  الدجاجة من البيضة كما جاءت البيضة من الدجاجة، ورغم مرور أكثر من ألفي عام على جواب أرسطو ظل سؤاله ماثلا أمام العلماء والفلاسفة، وآخر ما استجد بهذا الصدد ما قاله علماء من جامعة كوينزلاند الاسترالية ان الدجاجة والبيضة ظهرتا معا في آن واحد.  المعضلة نفسها حملها سؤال العراقيين الذي تحول الى عقدة  حملت صيغتي «الثورة» و»الانقلاب» معا منذ الساعة التي أذاع فيها العقيد عبد السلام عارف البيان الأول من راديو بغداد، والذي أعلن فيه نهاية النظام الملكي وولادة الجمهورية العراقية، وعارف أحد ضابطين كبيرين تزعما الحراك العسكري، دخل بغداد على رأس قوة مهمتها العبور الى الأردن للتمركز هناك لكنه انعطف نحو القصر لينفذ ما خطط له تنظيم «الضباط الأحرار» الذي استلهم تجربة جمال عبدالناصر في مصر، وأراد استنساخها في العراق على وقع سياسات خاطئة اتخذتها الحكومات المتعاقبة آنذاك استغلتها المعارضة لتحشيد راي عام يتطلع الى الإصلاح والتطوير

والضابط الكبير الثاني هو الزعيم الركن عبد الكريم قاسم الذي كان مرابطا على راس قوة معسكرة بالقرب من بغداد، وأصبحت مهمته حماية ظهر الأول واسناده عند الضرورة، ووراء الاثنين «تنظيم الضباط الأحرار» وجبهة الأحزاب الخمسة الساعية للتغيير، والتي ائتلفت في «جبهة» من أجل ذلك.

تغيير سلمي

لم يجر التغيير المطلوب على نحو سلمي اذ حدث في نفس الساعة أن أجهزت ثلة من العسكر على أفراد العائلة المالكة عند استسلامهم عند بوابات القصر، وأبادوهم في «مقتلة» لم يشهد مثلها العراقيون من قبل، وان كان هناك من يزعم أن أهل العراق اعتادوا قتل ملوكهم!

قتل أيضا نوري السعيد صانع سياسة العراق الموالية للغرب، وهو الذي شكل معظم وزارات العهد الملكي، وكان يعتقد ان لا أحد يستطيع الإطاحة بنظام بلده لأن «دار السيد مأمونة» كما قال في آخر خطاب له، وعرف عنه أنه حذر خصومه مرة من أنه لو نجح انقلاب في العراق فسوف لن يسلم أحد من عواقبه التي قد تصل الى حد امتهان كرامات الناس وحتى انتهاك اعراضهم، وصدقت نبوءته! كذلك قتل آخرون ليس لهم في الأمر ناقة ولا جمل لكن الأقدار وضعتهم في المكان الخطر خطأ.

شكك كثيرون في ان «الثورة» التي ارادوها لم تكن هي التي حدثت الساعة، انما هي «ثورة» غيرها، لكنهم كظموا غيظهم بأمل أن تصحح الأيام ما اختلط عليهم فهمه، ولم ينتظروا طويلا حتى تيقنوا أن ما جرى وضع السلطة في أيدي «العسكريتاريا» التي ما حكمت بلدا الا وتحكمت فيه، وأحالته خرابا، والاستثناءات نادرة، وبدلا من أن يتم الشروع بخطوات تضمن إقامة نظام ديمقراطي سليم يحترم الانسان العراقي ويضمن حقوقه الأساسية اشتد الصراع بين قادة العسكر أنفسهم على المناصب والامتيازات، وتبادلوا المكائد والمؤامرات، واتسم أداء أحزاب «الجبهة»  الموالية لهم  بالقصور وعدم النضج، وبالجهل في قراءة اشتراطات المرحلة، وارتكب رجالها أخطاء وخطايا لا يمكن غفرانها، مارسوا العنف ضد خصومهم، ونصبوا الفخاخ بعضهم للبعض الآخر، وعلى مدار عقود هجينة كان قدر العراقيين أن يتنقلوا بين انقلاب وانقلاب، واصطبغت أرض الوطن بالدم، ولم تعد «الجمهورية» تعني لهم شيئا، كما لم يعودوا يأمنوا على أنفسهم وأسرهم وأعمالهم، وغابت فاعلية الطبقة المتوسطة قائدة التحولات الاجتماعية، وتحولت المدن المتحضرة الى أرياف لا تمتلك من خصائص التقدم والنهوض شيئا.

وبعد عقود من المرارة والمعاناة كف العراق عن أن يكون دولة قوية وفاعلة ومهابة فقد تقلصت أرضه، وتشرد الملايين من أبنائه، وتآكلت ثروته، وجفت مياهه، وانتهكت سيادته، وصودر استقلاله، وتسيدته طغمة من الأفاقين والطفيليين والجهلة وناهبي المال العام لتحوله الى دولة فاشلة لا حول لها ولا طول!

وهكذا فان ثمة القليل ممن يتجرأ اليوم ليعترف أن رياح ثورة/ انقلاب 14 تموز 1958 أخذتنا من حيث لا نعي الى هوة سحيقة ليس لها قرار!

 

 


مشاهدات 115
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/07/19 - 1:19 AM
آخر تحديث 2025/07/20 - 4:15 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 274 الشهر 12682 الكلي 11166294
الوقت الآن
الأحد 2025/7/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير