حين تصبح الرموز مرآة مكسورة
عبدالستار الراشدي
في زمن تئن فيه القيم تحت وطأة الانتهازية،تتوهج بعض الشخصيات في سماء العمل المجتمعي او الثقافي او الديني ،فَتُحاط بالاهتمام، ويكتب عنها مقالات عديدة،وتُشاد لأجلها القصائد،ويأخذ الإعلام دوره في تسليط الضوء على منجزها أو مشروعها.
لكن بعض الاسماء للأسف ، حين تصل إلى مرمىٰ الثقة التي أعطيت لها ، تفشل في حمل شرف الوعود التي أعلنت عنها ، وتَخفَّتْ سريعاً كشهاب ٍ لا يخلف إلا رماد الندم .
لقد كانت هذه الشخصية النسائية تمثل للبعض رمزية التجدد ،والاستثنائية في الحضور، ووعود التغيير ، دعمناها، لا مجاملة ، بل إيماناً برسالتها المعلنة ، ووعودها لأكثر من مرة ، فكتبنا عنها بحبرٍ من حلم ،ونسجنا لها أبياتاً تهتف بالثقة،واغلقنا نوافذ الشك احتراماً لحلمها . لكن الزمن كشف ما لم تكشفهِ الحروف ،إذْ تلاشى صوتها عندما حان وقت القول، واهتز َّ موقفها حين أُختبرتْ المباديء، فبدت - في لحظة الحقيقة- أكثر قرباً من الحسابات الشخصية، وأبعد ما تكون عن صدق الالتزام، الخذلان هنا ليس ذاتياً، بل ثقافياً أيضاً.فالمثقفون حين يدعمون أحدٍ ما ،لا يبيعون موقفاً عابراً، بل يمنحون منبرا ً من الكلمة المغلفة بشرعيّة الوعي،وأي إخلال بتلك الثقة هو إخلال بقيمة الإبداع الذي أحتضنها، وبتلك الأنفسُ التي راهنت عليها دون مقابل.
لا نكتب هذا بإسلوب الإسقاط أو التشهير، فالفكر لا يُكتبْ بلغةِ الثأر ،بل بلغةِ المساءلة والعتاب، والحق ُ ان الألم لا يولد من العداء، بل من الأمل الذي أُجهِضَ بإيدٍ كانت تُلَوِّحُ بالوفاء والكلمة الصادقة. نحن لا نندم على الشعر الذي كتبناه، ولا على الحرف الذي إحتوتهُ مقالاتنا التي دعمنا بها من لا يستحقّها فعلاً، لكننّا نتمسك بحقنا في إعادة قراءة المشهد، وتصحيح البوصلة، وتذكير كل من نمنحه منابر الضوء، إنَّ الضوء لا يمنح إلا لمن يستحق أن يكون وهجاً لا ظِلاًّ، وأهلا ً للثقة الممنوحة له .