((ذيـــــــــــل)). ج1
عبد الكريم الصافي
أظنُ قاطعًا بإِنَّ كلَ مَنْ قَرَأَ عنوانَ المقالِ إنصرَفَ ذهنهُ بدون أدنى شك إلى أتباع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذين يوالون النظام الإيراني بالسراءِ والضراءِ ولو على حسابِ الوطن الذي يعيشونَ على ترابِهِ ويتنعبونَ بخيراتِهِ بكلِ صنوفِ هذه الخيرات، سواء كانت هذهِ الخيرات موارد مالية ما كان أحدهم يحلم أن يقولها ولو باحلامِ اليقظة مضافٌ إليها مناصبَ بكل ما تقدم هذه المناصب من امتيازات ماديةٍ ومعنويةٍ كان محرومًا منها لعقودٍ طوال حتى في فترة الحكم العثماني الذي سبق فترة حكم العراق ما بعد الإحتلال البريطاني، ومع ذلك هؤلاء الفئة أبًا عن جد لن يقدموا ولاءهم لغير الدولة الجارة إيران حتى في حكم الشاه محمد رضا بهلوي على أقل تقدير بما أتذكره أنا شخصيًا بما يخص موضوع ولاء هذه المجموعة من المجتمع العراقي، والبعض منهم قد لا يحق لغيرهم أن يوجه لهم اللوم لأنهم هم من أصول إيرانية نزح أجدادهم إلى القصبات والنواحي والمدن المحاذية للحدود الإيرانية وبمرور الزمان انتشروا بين أوساط المجتمع العراقي وصاروا ظاهريًا جزء من المجتمع العراقي حتى في العاصمة بغداد وفي الفرات الأوسط والجنوب، أما الجوهر فهم إيرانيون أكثر من الإيرانيين ملكيون أكثر من الملك فتراهم في أي خلافي سياسي بين أي حكومة عراقية وأي نظام إيراني قلوبهم وسيوفهم مع إيران وغير مستعدين أن يجعلوا قلوبهم مع العراق وسيوفهم عليه فهم ليس لديهم الاستعداد بالتضحية حتى بالمشاعر التي أوقات الحروب لا تقدم ولا تؤخر ومع ذلك لا يتنازلون عن هذه المشاعر للعراق ولو كذبًا ورياءً، وإذا اظهروا خلاف ما في قلوبهم يكشفون عن سرائرهم فورًا حال مجئ الفرصة المؤاتية.
لذلك أعتقد من الغباء أن يلوم اللائم أي شخص جذوره الممتدة إلى أجداده إذا أعلن ولاءه لإيران أو دافع عنها مستميتًا.
إنما يحقُ للمستغربِ أن يستغربَ ويلومَ المواطن العراقي العربي القومية العراقي الميلاد والجذورِ والجنسية كون أنه مواطن عراقي ويذودُ عن عراقيته حتى لو كان عراقه قد كان ظالمًا في موقفٍ ما مع إيران لأن إيران دولة لها مصالح استراتيجية تدافع عنها ومصالحها تبيحُ لها أن تتفنن في جميع أنواع فنون السياسية للوصولِ إلى أهدافها التي هي أعرف من الغر بمرادِها وبالتالي على الغيرِ أن يبذل ما بوسعِهِ للدفاعِ عن ذاتِه سواء كان الغير إيران أو غير إيران.
وإيران لديها أجندات تتعلق بإمنها القومي الإيراني، ولا تعترف بكل عناوين أخرى لا تحقق لها حماية لدولتِها ومكاسبٍ تسعى لتحقيقها سواء كانت هذه المكاسب مشروعة أو غير مشروعة لأن السياسية لا تعترف بالعناوين الأخلاقية، إنما السياسةُ تُعَظِّمُ وتُمَجِّدُ الإنجازات والمغانم حتى ولو كانت تلك الإنجازات والمغانم أُخِذَتْ من فمِ طفلٍ يتيمٍ وأبٍ فقيرٍ لا يجد في بيتِهِ ما يسدُ رمقَ عيالهِ ولو كانت هذه المنجزات والمغانم هي حبة دواء بفقدانها يموتُ بائس.
وهذا المعنى والسلوك غير مستهجن حتى في المجتمعات التي نزلت بوقتها شرائع سماوية تدعو إلى القيم المُثلى، مع ذلك هذه الشارع اباحت للقوي أن يغنم من فمِ الطفل والفقير قوته ودواءه {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأنفال: ٤١].
لذلك لا يتصور أي إنسان بإن النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ قيام الثورة التي بدأت في يناير عام 1978 وانتهت في فبراير عام 1979 والتي أطاحتْ بحكمِ الشاه محمد رضا بهلوي وأسست الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني، لا يتصور أو يعتقد هذه الثورة جاءت للدفاع عن انتمائه العقائدي وليس غير ذلك، أبدّا هذا غير صحيح وإن كان انتمائها العقائدي شيء لم تستحدثه الثورة فهم مسلمون يتعبدون الله بما وجدوا عليه أنفسهم وهو انتماؤهم عقائديا للمذهب الشيعي الجعفري الإثنى عشري، ولم يصنع الإمام الخميني الثورة ويسقط الشاه محمد رضا البهلوي من أجل المذهب أو العقيدة التي ينتمي لها، إذ لم يكن الشاه زعيم عقيدة تنافس الإمام الخميني ولا الإمام ذاته جاء ليفرض عقيدته على نظام الشاه البهلوي، إذ كلاهما الثائر والمثار عليه هما ينتميان لذات العقيدة الدينية والمذهبية فالشاه كام مسلمًا شيعيًا جعفريًا أثنى عشريًا كما هي حال عقيدة الشاه محمد رضا بهلوي، وكلاهما فارسيان القومية، وإن ادعى الشاه أنه حفيد النبي العربي إلا أنه لم يتفاخر الخميني في أي خطاب من خطاباته بعروبته، بل يفتخر بفارسيته وهذا حق شخصي من حقوقه لا يؤلام عليه.
خلاصة القولِ كان الخميني مسلم شيعي فارسي إيراني والشاه كان أبديضًا مسلم شيعي فارسي إيراني، إنما قامت الثورة لتغيير نظام الشاه الذي أفسد في الأرض وظلم شعبه وغابت العدالة الاجتماعية بين مواطنيه لسنوات عدة وهو كان يعيش مع طبقة صغيرة من المجتمع الترف والبذخ على حساب الفقراء ويعيشُ معه قلة من اتباع البلاط والمنتفعين والتجار، لذلك ما أن صدحَ صوتُ الإمام الخميني عبر رساله التي كان يبثها على أشرطة صوتية إلى فقراء شعبه حتى خرجوا معه ينصرونه وينصرهم للقضاء على فترة الظلم والفقر والاضطهاد ليعتلي سدة القرار السياسي في البلاد، ومع ذلك لم تتحقق الأهداف التي وضعها الإمام نُصبَ عينيه وأول هذه الأهداف العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر، إذ ربما بسبب الحروب التي خاضتها دولة الإمام منذ توليه أمر إيران وحتى يومنا هذا لازال المواطن الإيراني يرث الفقر ويورثه لأحفاده.
ممكن القول أن نظام حكم الإمام الخميني ومن بعده نظام حكم الإمام الخامنئي يحكم الشعب الإيراني ولم يأتي للذود عن عقيدة المذهب، فإيران ليست مذهب إيران دولة لها سيادة وأرض وشعب والمذهب عقيدة ينتمي لها الكثير من الإيرانيين ولا ينتمي لها إيرانيون آخرين فهناك ديانات ومذاهب متعددة في إيران ومع ذلك هؤلاء يحكم نظام الإمام الخامنئي الذي ليس من عقيدة دياناتهم ولا من عقيدة مذاهبهم، كما ليس للإمام الخامنئي السلطة ليتولى حكم مواطنين من دول أخرى وإن كانوا على عقيدةِ دينه وعقيدةِ مذهبه، لأن هولاء المواطنين يتبعون دول لها سيادة وأرض وشعب وهي دول مستقلة في دساتيرها وقوانينها الجزائية يعتبر المواطن الذي يتعاون مع دول أخرى ويخضع لها، يُعد فعله جريمة الخيانة العظمى.
المشكلة الناس بغباءٍ مفرطٍ مُلْتَبَسٌ عليهم يعتقدون اعتقاد خاطئ بإن الولاء لإيران ولسلطة الإمام الخامنئي هو سلوك إيماني لا سطوة للوطن عليه، بالرغم من إن الإمام الخامنئي ومن قبله الإمام الخميني لم يقولا للناس إن خروجكم عن طاعتنا واتباعكم لقوانين بلدانكم يجعلكم من الكافرين الضالين، هم الناس المغيبة عقولهم والضعيف ولائهم الوطني ذابحين نفسهم على إيران وعلى الخميني و الخامنئي.
ها نحن نشاهد الكثيرين هم متعاطفين جدًا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا لأن إسرائيل دولة معادية للعرب وغاصبة لفلسطين ولأن اسرائيل قد بدأت الإعتداء جورًا وظلمًا على الإيران، إنما تعاطفهم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكون إيران دولة شيعية والمتعاطفون شيعة، ولو كانت إيران دولة سنية وفعلت بها إسرائيل ما فعلت لما تعاطفوا معها، كما هو حال سنة العراق الذين تعاطفوا مع ثورة أبو محمد الجولاني لا لكون أن الشعب السوري قد ظلمه الرئيس الهارب بشار الأسد بل لأن ثورة أحمد الشرع لإعادة الحكم للغالبية السنية في سوريا ليس إلا.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم تدافع عن نفسها من الهجمات الصهيونية الإسرائيلية بصفها دولة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا بصفتها دولة الشيعة تقاتل دولة اليهود، فالصهاينة خلافهم مع الإيرانيين ليس بسبب كونهم شيعة إمامية جعفرية، يقاتلونهم لأن الإيرانيين يريدون امتلاك السلاح النووي والصهاينة لا يقبلون بذلك وحربهم حرب وجود وليست حرب عقائد، وبالتالي الإيرانيين يدافعون عن مصالحِ جمهوريتهم لا مصالح عقيدتهم وهذا يجب أن يفهموا جميع العراقيين شيعة وسنة وكرد وعرب ومسيح وإيزيدية وصابئة وكل مكونات المجتمع العراقي، وكذلك يجب أن يعرفه الحوثيون وأتباع حزب الله اللبناني وكذلك حماس والعرب والمسلمين والعالم أجمع، فمن يتعاطف مع إيران لا يتعاطف معها كونها دولة نظامها السياسي وفق الدستور على المذهب الشيعي الجعفري الإمامي المادة الدستورية التي تعتبر المذهب الشيعي الإثني عشري المذهب الرسمي للدولو، إذ نصت المادة 12 من الدستور الإيراني على أن "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب هو المذهب الجعفري الإثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير".
إيران تدافع عن حقها في إمتلاك القوة النووية، لا تدافع عن حقها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وحقها في الدفاع عن الشعب اليمني وبالخصوص الحوثي منه، وحقها في الدفاع عن لبنان وبالخصوص حزب الله اللبناني، ولا تدافع عن حقها في الذود عن العراق وبالخصوص الشيعة منهم وبالتحديد الشيعة الذين يؤمنون بولاية الفقيه، إنما هي تدافع عن وطنها الذي تحكمه وبقية العنوان هي أدوات كانت تستخدمها إيران لإبعاد أزيز الرصاص ودوي المدافع والصواريخ والطائرات التي يقودها طيارون أو التي يتم توجيها للأهداف بالذكاء الاصطناعي، إيران كانت تبذل كل شيء حتى لا تصل إلى ما وصلت إليه اليوم وهو أن طبول الحرب قرعت في أرضها وسمائها واليوم هي الوحيدة المسؤولة عن الدفاع عن وطنها ولا تغنيها مهاترات الفيسبوك بين أبناء الشعب العراقي الواحد ولا تقدم لها الفصائل المسلحة والمظاهرات والأحزاب التي صنعتها وربتها فهم أقل من مستوى الحرب القائمة بين دولة إسرائيل المصنعة وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تحارب من أجل سلاحها النووي وليس من أجل تحرير القدس أو الإنتقام لشهداء غزة أو لإغتيال السيد حسن نصر الله ورفاقه، إيران تقاتل دولة كانت في الحرب العراقية الإيرانية مشجب عتاد لاسلحتها التي قاتلت بها الجيش العراقي فهي كانت تقاتل بالسلاح الذي تركه نظام الشاه بعد تركه البلاد هاربًا من ثورة الإمام الخميني، ولما نشبت الحرب بينها وبين العراق واستنفدت إيران عتاد أسلحتها فلم ينجيها من تفوق جيش صدام عليها إلا إتفاقية "إيران جيت"، تلك الإتفاقية التي تمت بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين دولة إسرائيل التي تعهدت والتزمت بتجهيز الجيش الإسلامي الإيراني الخميني الشيعي الجعفري الإثنى عشري بكل ما يحتاجه من عتاد لديمومة حربها مع العراق.
واليوم الإسرائيليون يقاتلون الإيرانيين لأنهم يؤمنون بإن إمتلاك إيران للسلاح النووي سيقوض مركزها القوي في الشرق الأوسط الجديد، وهي لا تريد ذلك ومستعدة لتحمل مئات الصواريخ البالستية ومئات الدرونات التي تدمر مبانيها الشاهقة وتزهق العشرات من أرواح مواطنيها المهم أن لا تحقق إيران الحلم الذي تسعى له بكل الطرق ومنها مشاغلات الحروب الفرعية.
يُقال إنه كان أسدانِ في الغابةِ قد دخلا بعراكٍ شرسٍ وبدأ يعضان بعضهما بإنيابهما الحادةِ جدًا وبعد معركةٍ شرسةٍ أمتدتْ لوقتٍ ليس بالقصير، إنتهت المعركة وكانت نهايتها أنه لم يبقَ من الأسدين إلا ذيل واحد لا يعرف حيوانات الغابة لمن كان هذا الذيل الوحيد.. المهم الغابة بإكملها ارتاحت من الأسدين وازيرهما الذي لم يجعل الغابة ترتاح بيوم من الأيام.