الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رهان القمة.. العراق بين إستعادة الدور وتفعيل الإقتصاد

بواسطة azzaman

رهان القمة.. العراق بين إستعادة الدور وتفعيل الإقتصاد

وليد الحيالي

 

في أروقة السياسة العراقية، ليس كل ما يُقال يُقال، وليس كل ما يُفعل يُعلن. حين يُصرّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على استضافة مؤتمر قمة في بغداد، فالأمر يتجاوز مظاهر البروتوكول وأضواء الكاميرات، ليكشف عن هندسة دقيقة لإعادة تموضع العراق في خرائط الإقليم المضطربة، وتجريب وصفة جديدة لسياسة خارجية تستند إلى التوازن لا التبعية.

العراق، الذي خرج من أتون الحروب والاحتلال والاقتتال الأهلي، لا يزال يبحث عن صوته في عالم يعجّ بالصراخ. لقد أدرك السوداني، كما أدركها من سبقه، أن الطريق إلى استقرار الداخل يمر عبر ترتيب أوراق الخارج. القمة ليست غاية في ذاتها، بل أداة لبعث رسائل متعددة الاتجاهات:

إلى العرب، بأن بغداد ما عادت “عاصمة الصراع”، بل قد تكون “منصة السلام”. وإلى إيران، بأن العراق يحاول أن يكون جسرًا لا ساحة، وأن تبادل المصالح أذكى من تصدير الأزمات. وإلى الغرب، بأن حكومة السوداني قادرة على ضبط الإيقاع، وتأمين الأرض، وحماية الضيوف، في مشهد يُطمئن العواصم المترددة.

السياسة الخارجية، كما أراها من تجربتي ومتابعاتي، لا تُبنى على الشعارات بل على التوقيت. والسوداني يحاول أن يلتقط لحظة إقليمية مواتية: انسحاب نسبي للولايات المتحدة، تراجع في زخم الحروب المفتوحة، وحاجة الجميع لحوار. لكن الأهم من كل ذلك، هو أن العراق يحاول أن يقول: “أنا هنا”، ليس كأتباع، بل كفاعل.

لكن خلف الأبعاد السياسية للقمة، يقبع سؤال اقتصادي ملحّ، لا يقل أهمية عن الجغرافيا السياسية. فالعراق، رغم ثرواته، لا يزال يعيش على اقتصاد ريعي هش، يعتمد على صادرات النفط وأسواق مضطربة، وعلى استثمارات خجولة، لا تتناسب مع حجمه الجغرافي والديمغرافي. في هذا السياق، تمثل القمة رسالة إلى رؤوس الأموال بأن بغداد تستعيد أمنها وموقعها، وأن “الاستثمار في العراق” يمكن أن يكون رهانًا رابحًا لا مغامرة خاسرة.

الحكومة تسعى إلى جذب دعم مالي من الدول الخليجية، في مشاريع البنى التحتية والطاقة وربما الزراعة، وهي مجالات تحتاج إلى شراكات استراتيجية لا مجرد منح طارئة. ومن خلال القمة، تأمل بغداد أن تُنعش اتفاقيات مؤجلة، وتفتح ملفات اقتصادية عالقة، خصوصًا مع السعودية والكويت والإمارات وقطر، حيث المال حاضر لكن الثقة ما تزال ناقصة.

وثمة بعد آخر لا يقل أهمية: العراق بحاجة إلى “غطاء اقتصادي سياسي”، يحميه من تقلبات السوق الدولية، والعقوبات الثانوية التي قد تطاله من علاقاته بإيران. وإذا نجح السوداني في إعادة العراق إلى الحاضنة العربية اقتصاديًا، فذلك سيمثل مظلة تساعده في إدارة التوازنات الدقيقة، داخليًا وخارجيًا.

في الخلاصة، القمة ليست مجرد اجتماع للنخب السياسية، بل هي محاولة لفتح نوافذ اقتصادية من بغداد إلى العالم العربي، وربما إلى ما هو أبعد. فاقتصاد العراق، اليوم، لا يحتاج فقط إلى إصلاحات داخلية، بل إلى موقع إقليمي محترم، يفتح له أبواب الشراكة الحقيقية.

 

 

 

 


مشاهدات 38
الكاتب وليد الحيالي
أضيف 2025/05/15 - 1:05 AM
آخر تحديث 2025/05/15 - 5:59 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 340 الشهر 18225 الكلي 11012229
الوقت الآن
الخميس 2025/5/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير