الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إيران على كفّ التفاوض النووي.. صفقة تجدّد النظام أم صفعة تسقطه للأبد ؟

بواسطة azzaman

إيران على كفّ التفاوض النووي.. صفقة تجدّد النظام أم صفعة تسقطه للأبد ؟

رائد فؤاد العبودي

 

على مشهد جغرافيا الشرق الأوسط الملتهبة، تقف إيران - النظام عارية من أقنعتها القديمة، تواجه (الشيطان الأكبر ) و ( الكيان اللقيط ) وجهاً لوجه، للمرة الأولى من دون وسطاء ولا ميليشيات ولا خطاب عقائدي يحتمي بالتقية.

حزب الله الذي كان آخر قفاز في يد الخامنئي، يسقط في الوحل اللبناني المربك، ليتيقّن ولي أمر محور المقاومة أن لعبة ( الحروب بالنيابة ) لم تعد سوى رمادًا في الريح وأن بغداد التي أمتدت انتفاضتها من ساحة التحرير الى تمثال الحبوبي لم تعد خاصرته الآمنة، مثلما شاهد بعينه كيف انزلقت صنعاء  من بين أصابعه ، وكيف أصبحت المقاومة شعاراً ( ماصخاً )  باهتاً لا يرد غارة ولا يردع طائرة.

أفق المنطقة سياسياً واستراتيجياً لم يعد غائماً كما بالأمس ، بل يتّضح يومًا بعد آخر تحت أزيز الطائرات الإسرائيلية التي لم تعد تطير في الظل، وضغط العقوبات الأمريكية التي تخنق ما تبقى من اقتصاد مأزوم.

لا خطاب بلاغة ينفع اليوم، ولا عقيدة قادرة على هندسة الردع ، فإيران التي حاولت تقليد النموذج الكوري الشمالي، اصطدمت بفارق الواقع: فلا الصين هنا لتحميها، ولا بحر اليابان لعزلها. لذا، تلجأ من جديد إلى لعبة قديمة كثيراً ما لجأ اليها الخاسرون وأشباه الخاسرون عبر التاريخ : المال مقابل تأجيل الانفجار، أو النفط مقابل بقاء النظام.

ممانعة سيادة

في صمت العاصفة، تُعيد إيران رسم خريطتها برماد بيروت وغزة وصنعاء ، وتُحدّق في مرآتها المشروخة باحثةً عن ملامح كانت تدّعيها: الممانعة، السيادة، والقدرة على حياكة الخرائط من خلف ستار. لكن المسرح تغيّر، والجمهور  أدار ظهره وصار يصفّق بقدميه ، والستار الحديدي الذي خبّأت خلفه طموحاتها الذرّية تآكل تحت وهج الرادارات.

لم يعد هناك متسع لأساطير الشعارات القديمة: ( إسرائيل الشيطان الأصغر ) و ( أمريكا الشيطان الأكبر ) فالشيطان الصغير بات يضرب، والأكبر استيقظ، وإن تأخر. و تل أبيب لا تنتظر إشارة من واشنطن، وواشنطن لم تعد تخشى تصدّع الشرق الأوسط. وكل يوم يمضي يُقرب لحظة الانفجار لا لأن إيران قوية، بل لأنها أضعفت الآخرين، وها هي اليوم تُحاصر داخل مرآتها، تواجه سؤالًا فجًّا: هل أنتِ دولة؟ أم مشروع سلاح؟

سقط قناع الحرب بالوكالة، وذابت أزياء الميليشيات. إيران الآن بلا وكلاء، بلا عباءات، بلا ساحات، إلّا ساحة واحدة: ساحة الداخل الايراني وأشباح التاسع من نيسان بنسخة ايرانية .  فالشارع الإيراني يُغلق عليه الحلم، ويتنفس من ثقب في جدار العقوبات.

جيل الشباب والشابات الايرانيون نزعوا حجاب الثورة عن عيونهم ، وبدى لهم مشهد الخديعة التي امتدت لعقود واضحة ، وصار السؤال اكثر واقعية وجرأة لماذا يعيش الجانب الاخر من الخليج مترفاً بينــــــــــــما يموتون هم جوعاً في الجانب الأغنى من ذلك الخليج ؟

في ايران اليوم جيل الموبايل والتواصل الاجتماعي لم يعد يصرخ “الموت لأمريكا”، بل يطالب بحياة تستحق العيش. فالمفاعل النووي لن يمنحه وظيفة، ولا اليورانيوم سيُصلح الريال. في ساحة الداخل الايرانية ، يخاف النظام من أغنية على تيك توك أكثر مما يخاف من طائرة فوق نطنز.

رهان طهران الآن على أشباح: فاضطراب واشنطن السياسي رسى على ضفاف ترامب ، منهياً فوضى التردد في صناعة القرار السياسي الأمريكية.

والصفقة التي تروج لها طهران ، عبر دبلوماسيةٍ مشبعة بالخوف أكثر من القوة، تشبه عزفًا رومانسياً في سفينة تعيش مأساة الغرق، وعباس عراقجي ومن معه، لا يعزفون على وتر سياسي، بل يبيعون وقتاً في ساعةٍ نفد منها الرمل.

خطة قائمة

هل هو الخيار العسكري اذن ؟ ربما، خصوصاً بعد ان انتقل الخيار العسكري من مربع التخطيط والاحتمالات الى مربع خطة قائمة، تنتظر توقيتًا.

إسرائيل أعدّت خرائطها، وأمريكا تفكر بصوتٍ مرتفع داخل البنتاغون: ( العراق كان درساً، فلا تكرروا خطأ التردد ) . من هنا، يضيق الهامش بين “صفقة” تُبقي النظام حياً لكن مشلولاً، و”صفعة” تقتلع جذوره كما اقتُلعت بغداد ذات نيسان ، خصوصاً مع تقارير أممية تحذر من اقتراب طهران  من امتلاك قنبلة نووية، وهي تحذيرات تبدو كأنها أجراس إنذار في حقل ألغام ينتظر الشرارة.

إذا جاءت الصفقة، فلن تُنقذ النظام، بل تمنحه قبلة حياة اصطناعية، بشروط أمنية واقتصادية تكبل أكثر مما تحرر.

أما إذا جاءت الصفعة، فستكون تاريخية، لا تقتلع المشروع النووي فقط، بل تفتح الباب لانهيار قد لا تملك واشنطن ولا تل أبيب سيناريوهاته البديلة.

لكن الأخطر من الصفقة والصفعة معاً، هو الفراغ: سقوط النظام دون بديل، وانبعاث جمهوريات ظل، وتفكك إيران إلى طوائف وأعراق تتناحر في ما بينها ، حيث السيناريو العراقي - السوري ليس بعيدًا، لكنه في الحالة الإيرانية قد يكون أعنف، وأكثر غموضًا.

ربما لم يعد السؤال: هل تمتلك إيران القنبلة؟

بل: هل يمكن لهذا النظام أن يعيش من دونها؟

وربما تكون القنبلة، إن وُلدت، هي الرصاصة الأخيرة التي يطلقها النظام على نفسه.

 

 


مشاهدات 41
الكاتب رائد فؤاد العبودي
أضيف 2025/04/28 - 4:44 PM
آخر تحديث 2025/04/29 - 3:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 276 الشهر 31203 الكلي 10911850
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير