الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
زهد‭ ‬الروايات‭ ‬وفحش‭ ‬القصور

بواسطة azzaman

زهد‭ ‬الروايات‭ ‬وفحش‭ ‬القصور

نزار محمود

 

لأغراض‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬تتعدد‭ ‬معاني‭ ‬الرواية‭: ‬فهي‭ ‬الرواية‭ ‬المكتوبة‭ ‬أو‭ ‬المحكاة،‭ ‬وهي‭ ‬التصريح‭ ‬أو‭ ‬الإدعاء،‭ ‬وهي‭ ‬القول‭ ‬غير‭ ‬الفعل‭.‬

أما‭ ‬القصر،‭ ‬فهو‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬معانيه‭ ‬المتعددة‭: ‬فهو‭ ‬القصر‭ ‬الفخم،‭ ‬وهو‭ ‬السلطان‭ ‬والقوة،‭ ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬الكيس‭ ‬والدراهم،‭ ‬وهو‭ ‬الآمر‭ ‬الناهي‭.‬

كنا‭ ‬نجلس‭ ‬خاشعين‭ ‬على‭ ‬بسط‭ ‬المساجد‭ ‬وفي‭ ‬دهاليز‭ ‬الحسينيات‭ ‬ونسمع‭ ‬عن‭ ‬زهد‭ ‬عمر‭ ‬وعصامية‭ ‬علي،‭ ‬وعن‭ ‬قليل‭ ‬تمرات‭ ‬الغداء‭ ‬والعشاء‭. ‬تدمع‭ ‬أعيننا،‭ ‬ويسري‭ ‬تأنيبنا‭ ‬لضمائرنا‭ ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬طعام‭ ‬شهي‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬الصلاة‭!‬

نتحامل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نسمعه‭ ‬من‭ ‬بذخ‭ ‬قصور‭ ‬الفرس‭ ‬والرومان،‭ ‬ونتباهى‭ ‬ببساطة‭ ‬تجهيزات‭ ‬فرساننا‭ ‬الأبطال‭ ‬المجاهدين‭ ‬في‭ ‬الله‭. ‬هنا‭ ‬يقوم‭ ‬أحدهم‭ ‬مخاطباً‭ ‬ومتوعداً‭ ‬خليفة‭ ‬المسلمين‭ ‬بالعدل‭ ‬والانصاف،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يبات‭ ‬وقد‭ ‬لف‭ ‬بطنه‭ ‬حزام‭ ‬من‭ ‬حجارة‭ ‬لقهر‭ ‬ألم‭ ‬الجوع‭.‬

لقد‭ ‬بتنا‭ ‬يطربنا‭ ‬جلد‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬زهد‭ ‬الأولين‭ ‬السابقين‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬والأبرار،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تفنن‭ ‬فينا‭ ‬الدعاة‭ ‬والوعاظ‭ ‬استثارة‭ ‬للعواطف‭ ‬وندباً‭ ‬للحال‭.‬

كم‭ ‬كنا‭ ‬عتبنا‭ ‬على‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد‭ ‬جواريه‭ ‬وكؤوس‭ ‬الخمر‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬العشاء،‭ ‬رغم‭ ‬أنتا‭ ‬أحببناه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عاشته‭ ‬بغداد‭ ‬من‭ ‬سلام‭ ‬ورفاه‭. ‬هكذا‭ ‬صورت‭ ‬لنا‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تذكر‭ ‬بوجوب‭ ‬نقاء‭ ‬الدين‭ ‬وزهد‭ ‬الحياة‭.‬

كان‭ ‬يكفينا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬بيوت‭ ‬الطين‭ ‬المتهرئة‭ ‬ونعيش‭ ‬عواصف‭ ‬تراب‭ ‬الصحاري‭ ‬والخيم‭ ‬الممزقة‭ ‬وأشجار‭ ‬النخيل‭ ‬العطشى‭ ‬وحبات‭ ‬التمر‭ ‬اليابسة‭ ‬لنعرف‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬صحابة‭ ‬الإسلام،‭ ‬ممن‭ ‬فهم‭ ‬الدين‭ ‬عذاباً‭ ‬وقسوة‭.‬

ومن‭ ‬كثرة‭ ‬ما‭ ‬قرأنا‭ ‬وسمعنا‭ ‬وتربينا‭ ‬عليه‭ ‬وتحدثنا‭ ‬به،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وتنافقنا‭ (‬من‭ ‬النفاق‭) ‬في‭ ‬تنافس‭ ‬حوله،‭ ‬ظننا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬سيتولى‭ ‬أمرنا‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الدعاة‭ ‬والوعاظ‭ ‬الزاهدين،‭ ‬سيملؤون‭ ‬الأرض‭ ‬عدلاً،‭ ‬وسيشبعون‭ ‬البطون‭ ‬الجوعى،‭ ‬وسيبقون‭ ‬يبتسمون‭ ‬رغم‭ ‬بطونهم‭ ‬الخاوية‭ ‬وجيوبهم‭ ‬الفارغة‭ ‬وصدورهم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعمرها‭ ‬غير‭ ‬صدق‭ ‬الايمان‭!‬

لكننا‭ ‬تفاجأنا‭ ‬وأي‭ ‬تفاجئ؟‭! ‬رغم‭ ‬انهم‭ ‬استمروا‭ ‬على‭ ‬كذب‭ ‬ودجل‭ ‬ونفاق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬أنهم،‭ ‬وفي‭ ‬غالبيتهم،‭ ‬باتوا‭ ‬يسكنون‭ ‬القصور‭ ‬المتخمة‭ ‬بملذاتها‭ ‬وجواريها،‭ ‬وبما‭ ‬تمتلىء‭ ‬به‭ ‬خزائنهم‭ ‬وبما‭ ‬يثقل‭ ‬حساباتهم‭ ‬المصرفية‭!‬

في‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬قصر‭ ‬أحدهم‭ ‬قامت‭ ‬مكتبة‭ ‬ضمت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬روايات‭ ‬زهد‭ ‬هذا‭ ‬وعفة‭ ‬ذاك‭. ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعني‭ ‬سوى‭ ‬تعاويذ‭ ‬معلقة‭ ‬على‭ ‬جدران،‭ ‬وحجابات‭ ‬تفسد‭ ‬سحر‭ ‬عيون‭ ‬الحاقدين‭ ‬والحساد‭! ‬سواعد‭ ‬النساء‭ ‬وأعناقهم‭ ‬وسيقانهم‭ ‬تحمل‭ ‬قلائد‭ ‬الذهب‭ ‬والمرجان،‭ ‬وأصابع‭ ‬رجالهم‭ ‬أحاطتها‭ ‬محابس‭ ‬الأحجار‭ ‬الكريمة‭ ‬بألوانها‭ ‬التركوازية‭ ‬والقرمزية‭!‬


مشاهدات 29
الكاتب نزار محمود
أضيف 2025/04/12 - 12:02 PM
آخر تحديث 2025/04/13 - 5:45 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 720 الشهر 12290 الكلي 10592937
الوقت الآن
الأحد 2025/4/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير