شهر الخير
نهله الدراجي
كل عام، نترقب قدوم شهر رمضان بشغف. لكن هل سألنا أنفسنا يوماً: ما الذي يجعل هذا الشهر مختلفاً حقاً؟ هل نحن حقاً ندرك عمق هذه المناسبة الروحانية، هل هو مجرد امتناع عن الطعام والشراب، أم هو ثورة روحية تغير من جوهر الإنسان؟ شهر رمضان هو دعوة للتأمل في أعماق النفس، وقت للتخلص من الأحقاد والضغائن، لنعيد بناء العلاقات مع من حولنا. لنغفر ونسامح، ونمد يد العون للأيتام والفقراء، فهم في أمس الحاجة إلى دعمنا ومساعدتنا. يجب أن نشعر بالألم الذي يعيشه الآخرون، وأن نكون عونًا لهم في هذه الأيام المباركة.شهر الخير هو تهذيبٌ للروح، وتذكيرٌ دائم بأن هناك من ينتظر منا لمسة حنان، ومن يحتاج إلى يدٍ تمتد نحوه، إلى قلب يشعر به، إلى كلمة تمنحه الأمل. في هذا الشهر، نتجرد من أنانيتنا، نكسر دائرة اللامبالاة، ونتعلم أن السعادة الحقيقية تكمن في العطاء.. صلة الأرحام، بر الوالدين، رعاية الأيتام، دعم الفقراء، احترام حقوق الجار والعامل والخادم.. كلها قيمٌ يجب أن تستيقظ وتكون دائمًا حاضرة في وجداننا. فالإنسان ليس فقط بما يقدمه لنفسه، بل بما يقدمه للآخرين، بما يزرعه من خيرٍ في دروب العابرين. شهر رمضان يعلمنا أن الخير لا يُقاس بحجمه، بل بصدقه، وأن الابتسامة الصادقة صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وأن إماطة الأذى عن الطريق ليست مجرد فعل عابر بل انعكاسٌ لنقاء النفس.
إن الدين ليس طقوسًا نمارسها في العلن وننساها في الخفاء، بل هو سلوكٌ يومي، أخلاقٌ تعكس جوهر إيماننا، رحمةٌ تنساب في تعاملاتنا، وعدلٌ نزرعه أينما حللنا. الدين هو أن تكون إنسانًا، أن تكون في عون أخيك، أن تشعر بآهات الفقراء قبل أن تسمعها، وأن تمسح دمعةً قبل أن تسقط.
وفي ختام مقالي هذا، أتوجه بالدعاء إلى الله أن يجعل من شهر رمضان فرصة للتغيير الحقيقي في مجتمعنا، وأن يوحد قلوبنا على المحبة والخير. فكما تتوحد موائد الإفطار في بيوتنا، فلتتوحد قلوبنا على نصرة الضعيف ومساعدة المحتاج.رمضان مبارك على الجميع، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.