جولة بين أحدث إصدارات العلاف
الأسواق الموصلية تنطق بالتاريخ والعرفان موجّه لأهالي كردستان
سامر الياس سعيد
ربما اعترف بكوني امتلك من الحظ الذي يخول مكتبتي باستقبال اصدارات عديدة على سبيل الاهداء من الشخصية الموصلية المعروفة ممثلة بالدكتور ابراهيم العلاف لاسيما وان العلاف ومنذ سنوات ليس بالقليلة استعان بالكتاب كاحد المصادر الفكرية المهمة لنقل ما اختزنته ذاكرته وما عني بتوثيقه عبر صفحات خير الجلساء لذلك فقد ارتكزت الذاكرة على كم كبير من المعارف لتتناقلة صفحات الكتب بالكثير من الاهتمام نظرا لكون ما يتداوله العلاف من كنوز المعرفة ليس حري بجيل حالي او سابق لكنه يبدو كمصدر فناء ملهم للاجيال اللاحقة .
اسواق الموصل
وفي السطور القادمة اضاءات لاحدث الاصدارات التي وردتني من العلاف حيث سابدا من كتاب ( اسواق الموصل وخاناتها وقيصرياتها ) الصادر عن دار ماشكي للطباعة والتوزيع والنشر بواقع 116 صفحة من القطع الوسط حيث اهتم الكاتب من خلاله بابراز مقالات تاريخية تنوه عن ابرز الاسواق التي عرفت من خلالها مدينة الموصل كون المدينة مثلت مركزا تجاريا واصلا اضاء اليه عدد من الرحالين حيث نوه الكاتب في سياق المقدمة الى عمق المدينة وثرائها التجاري الذي تماهى مع بعض المدن حتى عرفت الموصل باسطنبول الصغيرة نسبة للدور التجاري والاقتصادي الذي لعبته فانتقل الكاتب من مقدمته لتوطئة بين فيها اهمية تلك الاسواق وانعكاسها التجاري العام على عموم الاسواق التي زخرت بها مدن العراق بشكل عام فانطلق العلاف تاليا برحلته وجولته الحافلة ليسرد وصفا تاريخيا معمقا استهل به سوق العطارين وهو من اسواق الموصل القديمة حيث زخر السوق المذكور بممتهني مهنة العطارة التي تعد مهنة جامعة شاملة للمواد الكيماوية والحيوانية والنباتية ذاكرا بان العطار البارع المحترف هو من يعرف كيفية التعامل مع كل ما اوجده الله في بلدنا وبراري مدينتنا الموصل من نباتات واعشاب كالمستكي والبيبون والخرنوب اي البجنجل والحميرة واوراق الزعرور كما لفت العلاف الى موقع السوق الواقع بقلب المنطقة التجارية القديمة في الموصل وبالتحديد بجانبها الايمن وينتقل العلاف من سوق العطارين نحو سوق الصفارين فيتحدث عن تاريخ حافل للسوق المذكور يناهز القرنين 12 و13 الميلاديين مستندا على ما ذكره نخبة من الرحالين نحو السوق المذكور وتحديدا الرحالة المغربي ابن سعيد الذي زار المدينة سنة 1250 ميلادية فذكر باحتواء المدينة على صنائع جمة من بينها تصنيع اواني النحاس المطعم الذي كان يحمل للملوك فيما يلي السوق المذكور ضمن جوله العلاف ليواصلها نحو سوق الحصيرجية والتي تاتي تسميته من الحصران والتي تصنع عادة من الخوص والبردي او اغصان النباتات اليابسة ويوجد عند مدخل باب السراي من جهة حمام الصالحية كما يضي العلاف في سياق كتابه نحو سوق الصوافة الذي يقع بمنطقة باب الطوب ويعني باقدم المهن التي برع بها الموصليين من خلال بيع الصوف لاستخداماته المتعددة فيما يلحق سوق اخر باضاءات العلاف وهو سوق القوندرجية الذي يهتم ببيع الاحذية المتنوعة من قبغلي وقيطان وجم جم حيث يقول عنه الكاتب بان له بابان احدهما يؤدي لباب السراي والاخر يؤدي لحمام الصالحية منوها بان القوندرجي هو من يصنع الحذاء ذاكرا اهم من امتهن تلك المهنة من عوائل موصلية كما تتنوع اضاءات العلاف نحو الاسواق المتنوعة التي لاتتحدد بمهنة محددة وعلى سبيل المثال سوق تحت المنارة او ما يعرف بلهجة اهل الموصل تحت البناغة وللسوق دكاكين كثيرة تتخصص بمهن متعددة كاليوزبكية التي تهتم ببيع الادوات الزراعية التقليدية فيما تلي تلك السوق سوقا اخرى هي سوق السراجين وهي التي تستقطب الساج الذي يصنع سرج الخيول حيث باتوا لايتخصصون بتلك المهنة فحسب بل يصنعون الكثير من احتياجات الناس كالاحزمة واغلفة الاسلحة المعروفة بالكرابات فيما يشير الكاتب الى سوق اخر هو سوق النجارين الذي يستقطب المتخصصين باعمال النجارة ممن يصنعون احتياجات المنزل الموصلي كالصندليات والقناصير وتخوت النوم والكراسي ومناضد الطعام ومن تلك السوق ينطلق الكاتب نحو سوق اخرى هي سوق القزازين وكلمة القزاز بحسب العلاف تشير للشخص الذي يشتغل بخيوط دودة القز الحريرية واهل الموصل درجوا على تسمية ذلك الخيط بالابريسم ومن القزازين ننطلق لسوق اخرى هي سوق الصياغ وهذا السوق يعد احد معالم مدينة الموصل وفيه يتجمع نخب من الصائغين ممن يتعاملون بمعدني الذهب والفضة في مصوغاتهم واعمالهم الى جانب سوق الحدادين ممن يمارسون الحدادة ومنها الابواب والشبابيك وبعض مستلزمات البيت الموصلي وللحدادين سوقان بالمدينة اولهما يختص ببيع الادوات المنزلية من قبيل محمل حبوب الماء والمناقل والسلاسل الحديدية والابواب والشبابيك فيما السوق الاخر يقع بالقرب من السوق الاول وفي مدخل جامع الاغوات متخصصا ببيع المحاريث وادوات الزراعة والحصاد كما يذكر العلاف سوقا اخرى منوعة ومشهورة لدى الموصليين وهي سوق النبي يونس حيث تقع اسفل الجامع المذكور اضافة لاسواق الصرافين والقوطجية والاطرقجية وباب السراي والسماكين والشعارين والعتمي ووخانات الموصل الكبيرة حيث يذكر منهم خان حمو القدو وخان الغزل وخان المفتي .اما الكتاب الاخر الذي يجعلنا نتوقف عند عنوانه الشامل وهو (مع التاريخ في طبيعته ومدارسه) فينوه عنه كاتبه العلاف بالقول بان الكتاب الصادر عن دار قناديل للنشر والتوزيع ما هو الا مجموعة من المقالات التي تدور حول التاريخ وطبيعته وانواعه والمدرسة التاريخية المعاصرة ويحمل الكتاب في طياته مجموعة من المقالات المتخصصة منها طبيعة التاريخ بين الادب والعلم والفلسفة والتدوين التاريخي في العراق المعاصر والتاريخ الاقتصادي واهميته ومضار التاريخ ورؤية العلاف ودراساته المتعلقة بالتاريخ العثماني كما يسهم الكتاب بالتوجه لطلبة الدراسات العليا لانارتهم بالفرق بين رسالتي الماجستير واطروحة الدكتوراه وشخصية الباحث في الدراسات العليا وجمع المادة لرسالة الماجستير واطروحة الدكتوراه وكتابة المقدمة في تلك الدراسات .
اثارة القاري
اما الكتاب الثالث فيوجهه العلاف بعنوانه اللافت (اهلي في اقليم كردستان ) ليثير القاري ويدعوه للتعمق بالكتاب الصادر عن دار ماشكي بنحو اكثر من 100 صفحة ومما يحفل به الكتاب مقالات منوعة دونها العلاف في بحر السنوات الخمسين الماضية عني من خلالها لاضاءة تاريخ اهل كردستان سواء بما يتعلق بنخب الاقليم كمحمد امين زكي بوصفه ابو التاريخ الكردي اضافة لمحاولات تدوين تاريخ الصحافة الكردية وموقف بعض القادة من الكرد كعبد الناصر والكورد في بلاد الشام ومصر والكثير الكثير من افق الافكار التي تدور في محور الاكراد وادوارهم التاريخية المنوعة ..ختاما تمثل الكتب الثلاثة خلاصات فكرية واضاءات معرفية تدعو القاري لتنويع قراءاته وتهتم باضاءة افكاره عما حفل به التاريخ لذلك لابد لنا ان نشير ان كل كتاب من تلك الكتب الثلاثة يمثل موسوعة معرفية حافلة تشجع الباحثين للاستزادة من تلك المقالات التاريخية وعكسها بالدوران بمحورها للاستفادة من محطاتها الحافلة التي تغني اروقة مؤسساتنا العلمية بالكثير من الرسائل العلمية الفاعلة .