أنا من دونك .. جذع نخلة عائم
.ممتن لك من القلب ..
ممتن لأنّك هذّبتني، وحضّرتني، وعلّمتني كيف أحاول ان أكون “جنتلمان” ..
كيف أضع يدي اليسرى على فمي حينما أتثائب، وكيف لا أبصق في الشارع، ولا أركل الأحجار التي فيه، وكيف أحرص على ان يكون في جيبي منديلا نظيفا دائما ..
وكيف أقاطع الشوكة والسكّين على الماعون، حين لا أرغب في الأكل …
وكيف .. وكيف .. وكيف
لذلك، أنا مدين لك بعدد شعرات قلبي، مدين لك بكل شيء فيّ حتى.. حماقاتي المستمرّة ..
ألم يقل تشيخوف : (إذا ارتكبت حماقة، فعليك السير بها الى النهاية) وها أنا ذا قد ارتكبتها هذي الحماقة، وسأسير بها الى نهاية العمر، يا أحلى الحماقات وأروعها على الاطلاق ..
في لحظات الهدنة المؤقتة- من هجوم الشوق، أحاول ان أعيد ترتيب الماضي، أجمع شتات أيامنا، ليس من أجل أن نعود (وهل افترقنا) ولكن لأفهم سرّ هذا الجرح النازف في داخلي، منذ ابتعادك عني لأعوام خلت.. والى الآن.
يقول لي أحدهم : ستنساها كما نسينا، وأحببنا، ونسينا واحببنا .
ونسينا ؟!!
أمن المعقول هذا ؟!!
أيكون بامكاني- ذات يوم- أن ألتقي ياسميني، من دون أن يخفق القلب، أو ترتعش العواطف ؟!!
أحيانا، يحدث أن نلتقي في مكان ما، شارع .. مقهى .. كاليري لصديق مشترك، فـ”يتكهرب” الجو، وتتحفّز ذرّات الهواء لنقل أقلّ نأمة بيننا، فثمّة ما يوصلنا بقدر ما يفصلنا، والحلقة المفقودة نفسها الحلقة المتصلة بألف سلسلة لا تستطيع وصفها الكلمات، ومثل أبطال فيلم سينمائي “زعلانين” نتصرف برسمية عالية ..
التحية المرفقة ببسمة مجاملة “تقول ولا تقول” ..
والسؤال الطائر عن “الأحوال” مثل حجر يرمى الى هاوية سحيقة، فيخلق صدى مكتوما
هل نجح الفراق حقا معنا ؟!!
والشماتة الضاحكة في عيون العاذلين ؟
أهي من روّض حبنا، المهر الصاهل في الشموس والبراري ..؟
ولكن لا ..
أيها الفراق: سنعود يوما.. وسنحاسبك على كلّ دمعة ذرفناها في ليالي البعد .
(2)
لأعترف، إنني لم أحبك كما ينبغي، وأن “سيّئاتي” أكثر من “محاسني” معك، وانك الخاسرة الوحيدة بعلاقة صارت مضرب الأمثال .
وليس الذنب ذنبي .. أبدا !!
تصوّري، إن فقيرا ما، مشرّدا ما، لا مأوى له، ولا نقود لديه، ويجد نفسه – فجأة – وقد امتلك “مليون” دولار ؟!!
.. إذا تصرّف بعقل .. اذا ظلّ متوازنا .. فهو مجنون حقيقيّ وبامتياز، أمّا إذا جنّ فهو عين العقل، وأنا – يا وليّة قلبي- كنت عين العقل، وروح العقل، وعقل العقل .
.. أنا المتسكّع فوق أرصفة العشق السريع، والشانق لرجولتي – يوميّا – بحبال امرأة لا أعرفها، أنا المتطلّع الى شفاه نساء لعلّ واحدة ترمي اليّ بقبلة فائضة عن حاجة عشقها ..
أنا الذي لم يجد من تسأل عنه : أين باتَ، وماذا شرب، وهل أكلَ أم لا ؟!!
فجأة يسقط بين يديّ مصباح علاء الدين، وبدلا من (جنيّ) الحكاية القديمة، وسحائب دخانه السوداء، أبصر غيمة بنفسجية، شفيفة، تخرج منها أميرة عذبة تقول لي : (طلباتك يا مولاي) ..
فأضيع.. أغيب عن الوعي، وبما يشبه الحلم تمسك بيدي، وتدخلني حمامها المسحور..
وبما يشبه الحلم، تلبسني ملابس جديدة.. بما يشبه الحلم أبصر نفسي في المرآة : نظيفا .. أنيقا .. حليقا، معطّرا، وبإمكان وجهي ان يخرج بي للناس بلا قلق او ريبة .
وبين الحلم والحقيقة، تقول لي الأميرة (سأترك عالمي واكون جوارك) فيرتفع الحلم، وتظل الحقيقة –وحدها – فعلا جواري، وأراكِ .. انتِ – بعينها – فتاة الغيمة البنفسجية المسحورة، لم يتغيّر فيك شيء، السحر نفسه، والعذوبة.. والترافة والجمال نفسهنّ، سوى إنّك الآن أبهى، لأنك – الآن – حبيبتي .
أجثو على ركبتيّ وأرفع بصري الى السماء ( ياربّ العالمين.. ما الذي فعلت في دنياي، حتى تعاقبني بمثل هذه السعادة ؟!!) .
أيعقل هذا : انت حبيبة أناي .. ويمكن لي أن أبوس عينيك أربع مرات باليوم، وأشمّ عطرك خمس مرات في اليوم، وألتقط العسل من شفتيك (1440) مرة في اليوم !!
.. وبعد كل هذا تريدينني ان اكون سويّا ؟!!
هل من أحد يلومني إن ارتكبت الف حماقة في اليوم ..؟
.. هل من (حاصب ضمير) لا يعطيني الحقّ في أن أرتبك .. وفي ان أضيع ؟!!
.. هل من إنسان لديه إنصاف، ولا يقول : اعذروه، فأين (كان) وكيف (أصبح) ؟!!
وانت .. أنت نفسك التي تعرفين تفاصيلي، وحماقاتي، ووحشيتي، وبعدي عن (التمدّن) و(التحضّر) كيف أعطاك قلبك، وقبل ان أرتوي من بئرك الزلال، تقطعين الحبل بي، وتتركيني ، وحيدا في فيافي الهجر، فقد اقفرت الصحراء من القوافل، والقى “الأنتربول” القبض على السيّارة، وطورد “أخوة يوسف” بتهم الإرهاب، ولم تعد إمرأة العزيز تلك المراهقة التي نعرفها ..
.. ولا من أحد سيمرّ على البئر التي ألقاني بغيابة جبّها : الفراق !!
وأنت ؟ أين انت الآن ..؟
يقول لي هاجسي : لو ملكت مصباح علاء الدين ثانية، هل ستعيد الأيام الى ما قبل لقائها ؟!
أقول نعم، وأقطع الجملة .. فانا أعرف نفسي كاذبا،
وأستدرك .. والله لو اعطي لي المصباح السحري الف مرّة، لأعدته ملايين المرّات اليها، فحتى هجرها أحدى هبات جنائن الله !!
.. تقول لي صورتك التي علّقتها على أجمل نجمة في الكون : والى متى ؟!!
وأجيبها : لا أدري .
حاولت ان احتمي منك بالنساء، وفشلت.
كلّ عام أقرّر – مثل كل عام- أن أحبّ من جديد، وحين ينتهي العام، حين تغرب شمس آخر يوم فيه، أقول سأنساك ، لكن قبل ان يعلن المغرب عن مجيئه بالعتمات المتناثرة، اجدني عند باب ذكرياتك ثانية ..
بالملابس التي اشتريناها معا، بالقميص الذي تحبّين لونه، وبالعطر الذي يذكرك ببدايات محبّتنا .
لا تستغربي – يا سيدة النساء- إن رأيتني في الايام القادمات، مهلهل الثياب، أشعث الشعر، مرتديا قبوطا شتائيا عتيقا، وحذاءً باليا ..
أعرف .. ستمرّ بي صديقاتك، وسيتضاحكنّ على (المجنون) الذي صار “حارسا شخصيا” لخيالك، الا أنت .. تمرّين أميرة، تضجّين أنوثة وجمالا، وفي غفلة من عيونهنّ تقتربين ( ليش تسوي بنفسك هيج يا عيني .. منو يستاهل) ..
يومها، ستقف الحياة للحظة، ثم سيعبّر البركان – الذي كان نائما طيلة سنوات هجرك – عن نفسه ..
هل تذكرين فيلم (زوربا) ؟!!
انطوني كوين وهو يرقص عارياعلى الشاطئ؟
سأفعل مثله، سأنزع القبوط.. وأضع فوقه قميصي، وفانيلتي، وحيائي .. وبكل (خبال) سنوات فراقنا سأرقص ، صيحات هندي أحمر، وقفزات صوفيّ تاق لـ”النيرفانا”، وفرح غجري، وهستيريا نمر مجروح، وشهيق رجل يغرق ..
أقسم لك مثل بدويّ يكذب للمرة الأولى، بأنني – يا ولية قلبي- أعقل من كل مجانين الكون .. ولكن ما الذي أفعله اذا كان حبك “جذرا”، والنسيان ليس “أرضا” كي أنبت فيها ؟!!
النسيان موجة، وأنا من دونك : جذع نخلة عائم .