الدبلوماسية وسمات الشخصية التفاوضية
سعدون بن حسين الحمداني
إن المفاوض الحقيقي هو الذي يكون على دراية كاملة بما يدور خلف الكواليس للطرف الثاني وليس ما موجود في جعبته، وأن يدرس نفسية وسلوكيات وتاريخ وخبرة مفاوض الطرف الثاني قبل الجلوس معه على أن يضع خطط رئيسية وبدائل للمفاوضات التي سوف تجري بين الاثنين.
تركز المدارس الدبلوماسية كثيرا على مرتكزات علم النفس ولغة الجسد والمطاولة والمراوغة من أجل كسب الوقت وتغير خريطة المباحثات إلى جانب المفاوض في على سبيل المثال ترى المفاوض يهدد بالانسحاب من المفاوضات كجزء من الضغط على الطرف الثاني من أجل الحصول على مكاسب جديدة أو فرض مطالب جديدة أو كسب أصوات جديدة واستمالة الجمهور له بسبب هذا الانسحاب التكتيكي.
معاهد دبلوماسية
وقبل أن نخوض في هذا المجال علينا التعرف على فن التفاوض والذي تعرفه أغلب المعاهد الدبلوماسية بأنه : هو الحوار والمناقشة بين طرفين (شخصين أو مجموعتين) حول هدف محدد للوصول إلى اتفاق نهائي أو مبدئي على عدة مراحل يتفق عليه الطرفان، وكذلك فإن التفاوض هو عرض مطالب كل طرف وتبادل الآراء، الوصول إلى الحلول المقترحة ، تكييف الاتفاق واللجوء إلى كافة أساليب الإقناع المتاحة لكل طرف لإجبار الطرف الآخر على القبول بما يقدمه الأول من وجهات نظر أو مقترحات تنتهي باتفاق يتبادل بموجبه الأطراف الوثائق المطلوبة ويكون ملزما تجاه أنفسهم أولا وتجاه الطرف الثاني ( فرداً أو مجموعة).
إن أهم سمات الشخصية التفاوضية ؛ هو التفرد بالأداء والطرح ، لغة الجسد، نبرة الصوت وهدوء الأعصاب، الحنكة الكلامية، بعد النظر للموضوع ، احتواء المقابلة والمطاولة والصبر في النقاش في الاجتماعات، القدرة على إخفاء الحقائق والمطالب والشروط دون اللجوء إلى الكذب، الإلمام الكامل بكل مفردات الموضوع من ناحية علم اللغة القانوني العام وعلم الكلمة وعلم المعنى، لباقة اللسان والتوقف في الكلام عند نقاط القوة في المفاوضات، الاستمرار بالتفاوض ضمن أدلة حقيقة واقعية ملموسة، أن تكون لدى المفاوض القدرة الكافية على تحليل الطرف الثاني والربط بين المواضيع المطروحة للمناقشة، أن يكون المفاوض ذا عقلية لماحة وأن يكون سلسا مرنا ومع ذلك حاسما عند اللزوم، وقبل كل هذه السمات يجب أن يكون لدى المفاوض تخطيط ودارسة مسبقة للموضوع وتحليل جيد لنقاط النقاش (قوتها وضعفها) مبني على التحليل المنطقي لغرض تحقيق أعلى المعايير والوصول إلى هرم المهارات لسمات التفاوض. كل هذه السمات تعتمد اعتمادا كليا على أصول واستراتيجية الدبلوماسية التي يجب اتباعها لغرض معرفة قدرة وشخصية الطرف الثاني.
تصور مشاكل
إن من كاريزما المفاوض المحترف هي؛ القدرة على التحليل وتصور المشاكل والسلبيات والإيجابيات، القدرة على الحكم الصائب على الأمور القاصرة أو المجزئة والغير واضحة المعالم، القدرة الكاملة في التلاعب بمفردات اللغة من ناحية الكلمات والمعنى ،القدرة على اتخاذ القرارات وحسن التصرف في الوقت المناسب وعدم التعصب أو إبداء عدم الرضا لأن ذلك من نقاط ضعف المفاوض، المرونة في تقبل آراء الطرف الثاني والاستعداد التام للتفاوض معه استنادا للهدف المرسوم، الاتزان النفسي والنضج العاطفي والابتعاد عن المشاعر والأحاسيس، المعرفة الكاملة بالجوانب القانونية والاقتصادية واللغوية وخاصة المترجمة إلى لغة أخرى وكذلك الانتباه إلى (فقرة التنقيط) بين الجمل اللغوية سواء باللغة العربية أم الإنجليزية أو الأخرى، الانتباه واليقظة الدائمة من كافة الاحتمالات ، وضع خطة بديلة أولى وثانية أو بالأحرى احتمالات أولى وثانية.
إن المفاوض الدبلوماسي وخبرته، لا تأتي من قراءة كتاب أو الاطلاع على النظريات الحديثة، وإنما تأتي من خلال الورش التدريبية والعمر الطويل في هذا المجال الاحترافي والخبرة المتنوعة في مواضيع مختلفة ومستمرة وأماكن مختلفة معتمدا على المعرفة والمهارة وتحسين القدرات الدبلوماسية وخاصة في موضوع البرتوكول والإتيكيت التي تدخل ضمن شخصية المفاوض ، (يقال إن الرئيس الراحل عبد الناصر طلب من معاونيه معلومات دقيقة عن الرئيس الأمريكي واهتماماته وصفاته الشخصية قبل الجلوس والتفاوض معه، فأحضر له مجموعة من الصور تبين الرئيس الأمريكي وهو يضع قدميه على سطح مكتبه، مما دفع عبد الناصر للقول" هذا الرجل مغرور ويبدو أنني ساصطدم به" ولكن بعد التوضيح من مدير المراسم والتشريفات بأن هذه عادة عند الأمريكان لغرض الاسترخاء) أي بمعنى على المفاوض معرفة سلوك وثقافة الطرف الثاني المقابل والتي تعد أساسية قبل اللقاء وإلا سيكون تعسرا في عملية التفاوض، على المفاوض قبل الدخول إلى المفاوضات يجب التحري وجمع المعلومات عن سمعة وشخصية الطرف الآخر من مهارات وخبرات وثقافة .
إن الاحترافية الدبلوماسية لدى المفاوض تجعله يفكر بمكان الخصم ويقوم بتحليل أفكاره والتنبؤ بما يريده الخصم، والتنبؤ بما يعتقد أن الخصم يريده منا، وبهذا توضع التصورات لأهداف الطرف الثاني لكل سيناريوهات الحوار ووضع كافة البدائل المتاحة من أجل الوصول الى الهدف بأقل الخسائر المحسوبة .
الحكمة الدبلوماسية في المفاوضات وهي استراتيجية مهمة في النجاح دائما تقال وتردد وهي ( خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين الى الأمام) مما يعني أننا قد خضنا المفاوضات بنجاح وعرفنا عقلية خصمنا وما يريده منا أن يحقق، وتبقى بأيدينا الحجج والبراهين والبدائل لغرض المناورة والوصول إلى أهدافنا بعيدا عن الكذب وعدم المصداقية بالوعود لأن ذلك يهز الثقة المتبادلة ونخسر كل المفاوضات. إن المفاوضات تبنى على قوة الشخصية واحترام الذات والمقابل والثقة بالنفس وتقسيم مصادر القوة الى مصادر داخلية وأخرى خارجية ومعتمدين على عناصر القيادة والبرتوكول والإتكيت لأنها أساس المواجهة والمناقشة.
{ دبلوماسي سابق