الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
وراء الكواليس.. ورهبة اللقاء الأول

بواسطة azzaman

وراء الكواليس.. ورهبة اللقاء الأول

حسين الحسيني

 

لقد مرَّ أكثر من 27 عامًا منذ أن بدأت العمل كمدير إنتاج في جريدة (الزمان). لا زلت اتذكر ذلك الاتصال كان حوالي الساعة 8 مساءا، كانت ليلة اعياد الميلاد، ليلة باردة لندنية تساقط الثلج فيها مبكرا، وغطت الثلوج الشوارع، في هذا الاتصال، دعاني الاستاذ سعد البزاز مؤسس ورئيس تحرير جريدة (الزمان) لزيارته في مكتبه، ليس ببعيد عن منزلي، قلت له مستغرباً :الآن، قال: ولم لا ماذا وراءك تعال ندردش، ونتعرف عليك.

توجهت الى مبنى الجريدة، وفي الطريق كان يتساقط الثلج بطريقة بطيئة كأنه قطن ناصع البياض، دخلت المبنى، كان قلبي ينبض بسرعة وأنا أسير في ممرات الجريدة متوجهاً نحو غرفته، شعرت برهبة تختلط بالحماس. كنت جديدًا في هذا العالم، وكانت كل زاوية في ذلك المبنى تثير في داخلي شعور الغموض والرهبة، بالرغم من معرفتي متابعتي للاستاذ البزاز، وشهرته في الاعلام . عندما وصلت إلى باب مكتبه، وقفت للحظة، استجمعت أنفاسي قبل أن أطرق الباب. الصوت الخفيف لطرقاتي بدا وكأنه يملأ الفراغ من حولي. دخلت بخطوات مترددة، وعينيّ تتفحص الجدران وصحف ومجلات وكتب متناثرة على المكتب. ترك كرسيه واستقبلني قبل ان اخطو اكثر من 3 خطوات داخل غرفته وفي ابتسامة ونظرة حادة ولكنها مدروسة، صافحني بحرارة، كأنه يقيسني بعينيه في اللحظة الأولى. شعرت بجفاف في حلقي، ولكن بابتسامة بسيطة حاولت إخفاء توتري.

شيء ما في صوته الوقور وكلماته المشجعة خفف من حدة توتري. تحدث كثيرا عن التفكير من خارج الصندوق، وعن الجرأة في التصميم واللون، تحدث عن أهمية العمل الجماعي، ودور كل فرد في نجاح الجريدة، وشعرت حينها أنني أمام قائد وليس مجرد رئيس تحرير

كانت تلك اللحظة حاسمة بالنسبة لي، حيث أدركت أنني أقف أمام الشخص الذي سيحدد مساري المهني، ولم أكن أريد أن أرتكب أي خطأ في أول لقاء لي معه.

 كانت علاقتي برئيس التحرير اخوية بامتياز، وخلال مسيرتي الطويلة في الجريدة كانت واحدة من أهم عوامل النجاح والتطور التي شهدتها. من اللحظة الأولى، بنيت هذه العلاقة على الاحترام المتبادل والثقة المهنية العالية. لقد كان لرئيس التحرير دور كبير في توجيهي وإلهامي، حيث قدم لي الدعم اللازم في مختلف المراحل وساهم في تطوير مهاراتي العملية والفكرية.

كان رئيس التحرير دائمًا يستمع إلى آرائي ويشجعني على تقديم الأفكار الجديدة، مما ساعد في خلق بيئة عمل إيجابية وإبداعية. تعاوني معه لم يكن مجرد أداء للمهام اليومية، بل كان فرصة للتعلم والتطوير المستمر، حيث عملنا معًا بروح الفريق لتحقيق أهداف الجريدة والحفاظ على مستواها المتميز.

إلى جانب القيادة الحكيمة لرئيس التحرير، كان يمتاز بقدرته على فهم احتياجات الفريق وتوجيهنا بطريقة تساعدنا جميعًا على تحقيق أفضل أداء. لقد علمني كيف أرى الصورة الكبيرة وأتخذ القرارات المناسبة في الأوقات الصعبة، وكان دائمًا يُظهر احترامه لجهودي، وهو ما عزز من إصراري على النجاح والتفوق.

أعتبر علاقتي برئيس التحرير من العلاقات المهنية التي أعتز بها، حيث كانت مليئة بالتعاون والدعم المتبادل، وهو ما ساهم بشكل كبير في استمراريتي الطويلة في هذه الجريدة ونجاحي فيها.

 

 حين خطوت أول مرة إلى ذلك المكان، لم أكن أدرك كيف ستمر السنوات بهذه السرعة، وكيف سيصبح هذا المكان جزءًا لا يتجزأ من حياتي اليومية. اليوم، بعد كل تلك السنين، وتبدلت الاحوال وتطورت الوسائل الاعلامية من مواقع التواصل وغيرها، ما زلت الى الان اتوجه الى شاشة الكمبيوتر متحمسًا في مهام عملي اليومي والتأكد من أن الصحيفة بجوانبها الفنية والصورية تخرج إلى النور بسلام.

كنت في صباح كل يوم، أدخل إلى مبنى الجريدة قبل أن تبدأ الحركة في الاقسام. دائمًا ما أكون من أول الواصلين، ليس فقط بسبب التزامي بالعمل، بل لأنني أحب هذه اللحظة الهادئة قبل أن تبدأ زحمة العمل. أشعر بشيء خاص عندما أمشي في الممرات، أتحسس أجواء اليوم، وأستعد للتحديات التي قد تأتي من زملائي في الاقسام، او قسم التحرير..

كانت مهامي كمدير إنتاج ليست سهلة، لكنها ممتعة. أعشق الطريقة التي أتنقل فيها بين الأقسام المختلفة: التحرير، التصميم، الارشيف، وحتى الطباعة والتدقيق. كل قسم له تحدياته،

قبل ان يمر الوقت كنت ارى الجميع في العمل بسرعة، كل شخص يعرف ما عليه فعله. وبينما كنت أتنقل بين زملائي، أتأكد أن الأمور تسير بسلاسة، كنت أحاول الحفاظ على الأجواء الودية. ضغط الوقت يمكن أن يكون مرهقًا، لكنني دائمًا أؤمن اننا نلحق في مواعيدنا مع المطبعة.

في صباح اليوم التالي اتذكر، كعادتي ادخل مبنى الجريدة، اجد رزم الجريدة قد تركها الموزع عند باب المبنى، كان أول ما افعله هو تصفح الجريدة. اجلس بهدوء، ومعي كوب قهوتي، أتأمل عملنا. كانت الصفحة الأولى تحمل العنوان العريض، والصور التي بذلنا جهدًا كبيرًا لتصحيحها في اللحظة الأخيرة. كنت أشعر بشيء من الرضا وأنا أرى النتيجة النهائية. لانني على علم سأكون على موعد هام مع رئيس التحرير، لمراجعة العدد بعد صدوره، لتجاوز الاخطاء والاستفادة من التجربة، كل صفحة كانت تمثل جهد كل فرد في الفريق، ولم أكن أستطيع إلا أن أبتسم كيف تجاوزنا تلك الليلة.

اليوم مع التحول نحو الصحافة الإلكترونية، تغيرت ديناميكيات العمل الصحفي بشكل كبير. إذ أصبحت السرعة والمرونة في الإنتاج الصحفي مطلبًا رئيسيًا، مما جعل التعاون بين الأقسام يتطلب أساليب أكثر تطورًا.

مع مرور الايام الطويلة، تحولت تلك الرهبة الأولى إلى شغف حقيقي بالعمل الصحافي. كل يوم في الجريدة كان مغامرة جديدة، مليئًا بالتحديات، ولكني كنت دائمًا أتعلم شيئًا جديدًا. الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي رحلة مستمرة، تقدم فيها الحقائق، وتسهم في تشكيل وعي المجتمع. شعرت بالفخر كوني جزءًا من هذا العالم الحيوي، وعلمت أن كل جهد بذلته لم يكن مجرد عمل عابر، بل رسالة تسهم في بناء المستقبل.

اليوم، وأنا أنظر إلى الوراء، أدرك أن تلك الرهبة في البداية كانت دليلًا على أهمية هذا الطريق. الصحافة علمتني الكثير عن الحياة، عن التواصل، وعن العمل كجزء من فريق يسعى نحو هدف واحد. وفي النهاية، ما يميز العمل الصحافي هو أنك تكون دائمًا في قلب الأحداث، تصنع الفرق بيديك، وتترك أثرًا في نفوس القراء.

 


مشاهدات 143
الكاتب حسين الحسيني
أضيف 2024/09/30 - 10:25 PM
آخر تحديث 2024/10/18 - 12:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 9 الشهر 7974 الكلي 10037697
الوقت الآن
الأحد 2024/10/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير