الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الفيزياء الطبية أداة تحويل الظواهر الفيزيائية إلى صور تشخيصية و طاقة علاج موجّهة 

بواسطة azzaman

تشخيص داعم لتشخيص الامراض البشرية

الفيزياء الطبية أداة تحويل الظواهر الفيزيائية إلى صور تشخيصية و طاقة علاج موجّهة 

عثمان عبد فهد

 

   لم يعد حاليا ً حضور الفيزياء في الطب مجرد تصنيع  ودعم تقني للأجهزة الحديثة، بل أصبحت إطارا ً يفسّر كيفية تشخيص المرض وعلاجه . لذلك تعمل العديد من التقنيات الطبية المعاصرة على تحويل الظواهر الفيزيائية مثل الخصائص المغناطيسية  و الموجات ، والإشعاع، و انتقال الطاقة من اشكالها المتعددة  إلى معلومات سريرية قابلة للقياس واتخاذ القرار. حيث يكشف الترابط بين الفيزياء و الممارسة الطبية عن تحول جذري في فعالية الطب المعاصر من المعاينة التقليدية إلى التشخيص القائم على النمذجة والقياس والدقة الرقمية و تقنيات التصوير الطبي على مبدأ بسيط وعميق في آن واحد . كل نسيج في جسم الإنسان يتفاعل بطريقة مختلفة مع الموجات أو الحقول الفيزيائية ، ويمكن ترجمة هذا التفاعل إلى صورة أو إشارة رقمية من هنا نشأت أهم تقنيات التصوير الموجات فوق الصوتية حيث تعتمد على اختلاف انعكاس الموجات بين الأنسجة، ما يسمح برصد الحركة والتمدد وتغيّر البنية الحيوية بمرور الزمن. كذلك الرنين المغناطيسي يقرأ استجابة ذرات الهيدروجين للحقول المغناطيسية النبضية ، ويعيد تمثيل هذه الاستجابة في صور عالية التباين للدماغ والأنسجة الرخوة ،  كذلك مثال اخر عن التصوير وهي الأشعة المقطعية تقوم على اختلاف امتصاص الأشعة السينية بين العظم والأنسجة ، ثم تحويل القياسات إلى مقاطع طبقية بواسطة خوارزميات إعادة البناء.

   بهذا المعنى ، لا تُنتج الصورة الطبية بواسطة آلة تصوير  بل بواسطة منظومة قياس فيزيائي تسبقها معادلات وتليها معالجة رياضية. بعد الانتهاء من مرحلة التصوير كانت هناك معلم اخر في الفيزياء وهي الطاقة كوسيط علاجي مضبوط ، حيث تحوّلت الطاقة  بفضل الفيزياء  من مفهوم نظري إلى أداة علاجية دقيقة : في العلاج الإشعاعي يتم تحديد الجرعة وزاوية الحزمة وعمق الاختراق وفق خصائص امتصاص النسيج، بهدف رفع فاعلية الاستهداف وتقليل الآثار الجانبية. وفي الليزر الطبي يعتمد التأثير العلاجي على اختيار الطول الموجي المناسب للنسيج أو الصبغة المستهدفة، ما يسمح بإحداث تأثير حراري أو ضوئي موضعي دون إحداث تلف واسع. ويكشف ذلك أن نجاح العلاج لا يرتبط بقوة الطاقة بقدر ما يرتبط بـدقّة ضبط التفاعل الفيزيائي داخل الجسم. من الصورة إلى القرار يبرز دور النمذجة والخوارزميات أدّى تضخم البيانات الطبية إلى بروز الخوارزميات التحليلية بوصفها وسيطًا بين القياس الفيزيائي والقرار الطبي. فهي تسهم في تحليل صور الأشعة واكتشاف الأنماط الدقيقة كذلك تتبّع التغير المرضي عبر الزمن و تقليل احتمالات الخطأ في تفسير الإشارات ولا تعمل هذه الأنظمة بمعزل عن الفيزياء، بل تعتمد على  نماذج إحصائية  و تمثيلات رقمية لخصائص الأنسجة والموجات وبذلك تصبح امتدادًا طبيعيًا لمسار القياس الطبي، لا بديلًا عن خبرة الطبيب السريرية.

    و رغم التطور الملحوظ  في الفيزياء الطبية، ما تزال هناك تحديات بحثية وأخلاقية لتقليل الفجوة بين توفر التقنيات المتقدمة وإمكانيات الأنظمة الصحية محدودة الموارد .

إن الاتجاه المستقبلي لا ينحصر في تطوير أجهزة جديدة، بل في  تحسين دقة القياس و تقليل المخاطر والكلفة وتعزيز الإنصاف في توفير الخدمات الصحية بحيث تتحول المعرفة الفيزيائية إلى قيمة علاجية عادلة ومستدامة.

   إن التحول الجاري في الطب هو انتقال من الحدس إلى القياس المنضبط ، ومن الوصف العام إلى التمثيل الفيزيائي الدقيق .  فالفيزياء  حين تُستثمر علميا ً وأخلاقيا ً لا تزوّد الطب بأجهزة فحسب، بل تعيد صياغة العلاقة بين المعرفة والقرار العلاجي ، وتحوّل الظاهرة الفيزيائية إلى فرصة لإنقاذ الحياة البشرية .


مشاهدات 55
الكاتب عثمان عبد فهد
أضيف 2025/12/30 - 3:37 PM
آخر تحديث 2025/12/31 - 9:58 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 533 الشهر 23471 الكلي 13007376
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير