هذا ما وجدنا عليه آباءنا

علي حجارة

   يُعتمد نظام التوريث في أغلب بلدان العالم بوصفه عُرفًا شائعًا، لاينتمي لفئة بعينها أو عرق بحد ذاته، فهو أقرب لفكرة بشرية عامة بامتياز، وستجدها في أصغر التشكيلات البشرية كالعائلة وأكبرها كالمؤسسات الاقتصادية والأنظمة السياسية، فالأب يورث ما جناه للإبن الأكبر أو من يجده حاملًا لصفاته التي ستكون الأقرب لإدارة ما سيُخلفه، لكن التقاطع الحقيقي يكمن في قدرة الابن على المواصلة أمام قوة جديدة تود أخذ زمام الأمور على أساس أن الثابت الوحيد هو المُتغير وليس المورّث، لنجد انفسنا أمام وريث يؤمن بأنه الأحق لأن أباه قد ولّاه، وعنصر ثوري يرى بأنه الأحق لأن القدر اختاره، وما بينهما يولد الصراع الذي ينتهي في الغالب إلى أن ينتصر العنصر الجديد ولو بعد حين، واسأل التاريخ عن هذه المعادلة، ولك في أنظمتنا العربية خير مثال.

في العراق، لا استثناء في نظام التوريث، لكنه ربما يأخذ مدى أوسع، فالعائلة تنظر إلى الابن الأكبر بوصفه الوريث الشرعي للأب في شؤون المنزل وإن كان أقل دراية بالتعامل مع الآخرين، والموظف يخلف وظيفته لابنه أو ابنته بعد التقاعد، أو ربما قبل التقاعد حتى، والأمر ليس ببعيدٍ عن السياسي الذي يحاول أن ( يحشر ) أولاده في المعترك لا لشيء سوى لأنها ( سفرة ممدودة ) وليست عملية لها ما لها وعليها ما عليها من مسؤوليات أمام الشعب، لذلك ستجد من هؤلاء الابناء من يخلط الحابل بالنابل ظنًا بأنه معصوم ربما !!، خذ من ذلك تصريحات أحدهم العجيبة التي ترى بأن أصحاب الشهادات العليا لاقيمة حقيقية لهم في منظومة الدولة، وخذ أيضًا تطاول الآخر على عميد إحدى الجامعات وتهديده، عدا من رشحت نفسها للانتخابات دون قدرتها على إلقاء خطابٍ بسيط، ولن نذكر التجاوزات الأخرى التي ربما يجب أن يُخصص لها كتابٌ لا مقال!.الأدهى هنا أن رؤوس السلطة في العراق كُثر، وعليه سيخرج جيلٌ جديدٌ من أبناء من تسنموا السلطة لمدة عشرين عامًا أو يزيد بوصفهم طبقة حاكمة جديدة تنظر إلى قوة التغيير الحقيقية المتمثلة بالشباب الواعي بوصفه العدو الذي يجب أن يُقصى لا لشيء سوى لأن هذا الأمر يتعارض مع ميثاق التوريث وناموسه.

مع هذا، ومع كل ماسبق، فالتاريخ والقدر وسنة الحياة تثبت دومًا أن الثابت الوحيد هو المتغير، وما تم إجهاضه سابقًا كي يستمر نظام التوريث هو حالة شاذة تندثر بمرور الزمن، في ظل المقولة الراسخة ( لا يصُح إلا الصحيح ).