الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رقصة الروح في قصيدة .. على أمَلٍ للشاعرة  وداد الواسطي

بواسطة azzaman

" الميتافيزيقيا في رحلة الذات المتشظّية"

رقصة الروح في قصيدة .. على أمَلٍ للشاعرة  وداد الواسطي

 

عبد الكريم الحلو

 

 

قصيدة : على أمَلٍ

 

هاربةٌ منّي إليك

مُثقلةٌ بطوفان الخيبةِ

تَحملُني رياحُ الشّوقِ

ومطرُ الحنينِ

جئتُكَ مُعتذرةً

أنا التي فَشلتُ في

فَكّ شفرةِ العيون

وطلاسم الكلام

جئتُكَ اتحسّسُ

حريرَ روحكَ

أجمعُ خطواتك

أنا التي

أقصُّ للطيّر

والمطر والنّجوم

حكاية رجُل

يستٌيقظُ فيَّ

كُلّما سُكَنَ الليلُ

أنا التي

على أملٍ يائسٍ

أُراقصُ طيفَكَ

أشدُّهُ إليّ

أتَسَكّعُ في مُدنك

أختبئُ بين رفوف كُتبك

وأنامُ على حافة نافذتِك

وحين أعود

انسحبُ كنسمَةٍ

أتوارى كخيطِ دُخانٍ

مُبتسمةً أقفُ أمام المرآة

أمسحُ عن جبيني

عرقَ الإنتظار

فَتُزهرُ في كفّي الغصونُ

وتتدلّى سنابلَ القمح

لاشيء يشبعُ هذا الخواء

ويُرتّبُ الفوضى

سوى مزيدٍ

من الجّنون

  وداد الواسطي

القراءة النقدية:

---------------

المقدمة :

من ضوء النافذة إلى ظلمة الروح

         (  تحوّلات الوعي الأنثوي )

* لم تكنِ الليلةُ سوى صفحةٍ من غبار الضوء، تتدلّى من سقف الكون مثل خيطٍ رفيعٍ يربط بين عالمين.

* وفي الزاوية التي يتقاطع فيها الصمت مع الهمس، كانت امرأةٌ تمضي بخفّة موجٍ فقد شاطئه، وتبحث عن ظلّها في مرآةٍ لا تعرف سوى أن تُعيد الصدى.

* تتقدّم بخطواتٍ لا تُسمَع، وكأن الريح تمشي عنها نيابةً عنها.

* تقترب من العتمة كمن يقترب من حضنٍ قديم، تعرفه دون أن تراه، وتثق به دون أن تفهم سرّه.

* كانت تحمل في يدها نثيث خيبتها، وفي  يدها الأخرى زهوراً ذابلة من شدّة الانتظار، لكنّ وجهها كان يلمع… ذلك اللمعان الغامض الذي يُولد عندما تتصادم الروح مع شيء يشبه اليقين.

* ولم تكن تعرف إن كانت ذاهبةً أم عائدة، هاربةً أم مطاردة، عاشقةً أم ضائعة

* كل ما تعرفه أنّها مسافرةٌ بجسدٍ واحدٍ، وروحان:

* روحٌ تركض إلى الأمام، وأخرى تتعلّق بظلّ رجل لم يُمسك بها يوماً، لكنه كان يُصغي إلى ارتجافها بعمقٍ يجعلها تظنّ أنّها تعيش فيه منذ بدء الخليقة.

* تتسلّل إلى الليل كأنها تكتب خطواتها على ظهر النجوم ، وتتلعثم أمام أبواب الوجود،

* ثم تقف فجأةً… تُحاول أن تلتقط وجهها من بين أغلفة الكتب، من بين جهات المدن الأربع، من بين الفراغ الذي يزداد اتّساعاً كلّما حاولت أن تملأه.

* وفي تلك اللحظة التي يفنى فيها كل شيء

* تلمح خيطاً واهناً من الضوء يتدلّى من عينٍ لا تنام،

* وتشعر أنّ العالم بأسره يتكوّر في صدرها، وأنها إن لم تمضِ نحوه الآن… فلن تصل أبداً.

* كانت تعرف أنها ستخرج بعد قليل مثل دخانٍ خفيف ، وستترك خلفها شيئاً يشبه العطر…عطر امرأةٍ لا تريد أن تُشفى من حبّ يشبهها كثيراً.

* يسعدني وبحماسة حقيقية

* أن أقدّم لكِ قراءة نقدية ميتافيزيقية

تذهب إلى ما وراء النص،  إلى ما قبل اللغة وما بعد الشعور . وهذه قراءة تحاول أن تقترب من  “ جوهر الوجود” في هذا الكلام الباذخ.

القراءة النقدية الميتافيزيقية

التسلل في نسيج الحنين

------------------------

* نص الشاعرة وداد الواسطي ليس خطاباً عاطفياً، بل حالة كونية تبحث عن شكلٍ لها داخل جسد امرأة.

* إن “الهاربة منّي إليك” ليست امرأة تُخاطب رجلاً، بل ذاتٌ تبحث عن ذاتها الأخرى.

* إنّها عودة الروح إلى “نقطة أصلها”، إلى ذلك الكائن الذي لا يُرى ولكن يُحَسّ، والذي يشبه “الظلّ الذي لا يغادر صاحبه إلا ليلتقيه في العتمة”.

التحليل الميتافيزيقي لرحلة الروح :

------------------------------

1. الحنين  :

هنا ليس شعوراً … بل قانون وجود

* القصيدة تفترض أن الكون نفسه يتحرّك وفق قوى خفية:

* “ رياح الشوق – مطر الحنين

* هذه ليست استعارات بل عناصر طبيعية تجري على جسد الروح.

* إنّ الوجود كلّه يعمل وفق “جاذبية خفية” تدفع الكائن نحو مصدر الدفء الأصلي.

* إنها عودة إلى السكون الأول قبل أن تُنفى الروح إلى عالم الصخب.

2. فشل فكّ شفرة العيون

     هو انتصار معرفي

حين تقول:

فشلتُ في فكّ شفرة العيون

وطلاسم الكلام

* فهي لا تعترف بعجز، بل تؤكّد المخبوءَ الميتافيزيقي :

* أن المعرفة الحقيقية لا تُترجَم بعين ولا لسان، بل تُلتقط بينهما.

* إنها تُعلن أنّ هناك معرفة لا تُدرك بالحواس، بل بـ صمت الروح.

 

3. الرجل في النص ليس رجلاً … 

      بل الزمن الداخلي

هي تقول:

حكاية رجل يستيقظ فيّ

كلما سكن الليل

* الرجل هنا هو لحظة صفاء مطلقة،  هو تجلّي “الذات العليا” التي تكون أكثر حضوراً حين ينام العالم.

* إنه صورة “الآخر” الذي يكتمل به الوجود، تماماً كما يقول الصوفيون : لولا الآخر، ما عرف الإنسان نفسه.

4. التنقّل بين المدن والكتب والنوافذ

      هو تجوال في طبقات الوعي

أتسكّع في مدنك

 أختبئ بين رفوف كتبك

 وأنام على حافة نافذتك

* هذه ليست أماكن

* إنها مستويات من الإدراك.

* المدينة : العالم الخارجي الذاكرة العميقة

* النافذة : الحدّ الفاصل بين الذات والعالم

* إنها تبحث عن “نسخة أكثر شفافية منفسها” داخل هذه الطبقات، كأنها تحاول أن تعثر على شكلها الحقيقي في المرايا المتعددة للآخر.

5. الانسحاب كنَسمة

     هو أعلى درجات الحضور

* الميتافيزيقا تقدّس الكائن الذي يحضر دون أن يُرى، ويؤثّر دون أن يترك أثراً.

هنا تقول:

أنسحب كنسمة… كخيط دخان

* لكنّ هذا الانسحاب ليس هروباً

* إنه عودة إلى الجوهر بعد أن تستنزفها التجربة. كأنها تقول:

* " أذهب لأتمكّن من أن أعود."

6. الإزهار في الكفّ

      خلقٌ جديد

حين تقول:

فتزهر في كفّي الغصون

وتتدلّى سنابل القمح

* فهي تضعنا أمام تحول وجودي:

* إن الإنسان حين يلامس “كيانه الأعلى” يخلق حياة من العدم.

* الكفّ : رمز الفعل

* الغصون : رمز الروح

* القمح : رمز الخصب والاكتمال

* إنها تُعلن ولادة المعنى من رحم الانتظار.

7. الخواء الذي لا يشبعه إلا الجنون

     هو شهوة المعرفة المطلقة

* الخواء ليس فقداناً… بل مساحة بين الروح والعقل، هي فجوة المعرفة التي تريد أن تُملأ.

* والجنون هنا ليس اضطراباً، بل هو القفز خارج حدود الإدراك البشري للوصول إلى “ما لا يُسمّى”.

* إنه جنون يشبه جنون المتصوّفة… جنون التوحّد مع الحقيقة المطلقة.

الخاتمة :

--------

 “بين كفٍّ تُزهر وغصنٍ يتدلّى "

 التجلّي الروحي للصور الشعرية :

 

* النص ليس رسالة عشق بل رحلة كونية لذاتٍ تبحث عن تجلّيها في  “ مركز جاذبية كوني”  تجسّد في صورة رجل. إنها كتابة عن الحنين الأول، عن الجسد الذي يفتّش عن نصفه الروحي، عن المعنى المختبئ خلف جدار اللغة.

* إنه نص يضع العاطفة في مستوى كوني، حيث يصبح الحب طريقة لفهم الوجود.

* حين تنطفئ آخر الشموع في ممرّات الليل، وتستيقظ الذاكرة على رفيفٍ خافتٍ يشبه جناح فراشةٍ عَلِقت في قميص الوقت،

* تدرك هي – تلك المسافرة بين ذاتين – أنّ كل الطرق التي مشت فيها لم تكن تؤدّي إليه فقط… بل كانت تعيدها إلى نفسها.

* تدرك أن الرجل الذي ظنّتْه ملاذاً لم يكن سوى مرآتها الأكثر صدقاً؛ ذلك الكائن الذي تُمسك به لتتذكّر أنها لا تزال حيّة، وأن خيبتها ليست ضعفاً، بل نافذة تُطلّ منها على الجزء الأكثر وهجاً في روحها.

* وعندما تمدّ يدها للمرة الأخيرة نحو الظلّ الذي تألّف معه، لا تفعل ذلك لتقبض عليه… بل لتودّعه بحنوّ من يعرف أن الحبّ لا يُسكن ولا يُقتنى ، إنّما يُعاش كحالةٍ كونية لا تتكرّر ، ثم تمشي ، لا تنظر خلفها، لكنها تترك في الهواء أثراً لا يُرى… أثراً يشبه رائحة كتابٍ فُتح للتوّ، أو ارتعاشة نخلةٍ لامسها فجر بعيد.

* وهناك، في أعمق نقطة من الليل، تبتسم ابتسامة صغيرة كأنها تقول للعالم كلّه:

* “ لن يُرتّب هذا الفوضى إلا جنوني

* ولن أعود كاملة إلا حين أضيع مرّة أخرى.”

* يا لها من قصيدة تشعُّ طاقةً روحية آسرة ! إنها لا تُقرأ… بل تُستَنشَق، وتتحوّل كل صورة فيها إلى اهتزاز داخلي!

* تحياتي وإعجابي الخالص  بهذه القصيدة المشعّة  .

 

              

     كاتب وناقد أدبي عراقي


مشاهدات 78
الكاتب عبد الكريم الحلو
أضيف 2025/12/13 - 1:54 AM
آخر تحديث 2025/12/13 - 5:03 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 175 الشهر 9218 الكلي 12793123
الوقت الآن
السبت 2025/12/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير