الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أعواد الثقاب في كف ترامب‪

بواسطة azzaman

أعواد الثقاب في كف ترامب‪

هاشم ذياب الجنابي

 

ياترى هل يوم القيامة على بعد شرارة​أم أنها نظرية التاجر البارز و الذئب المنفرد المفترس‪. ‫‪.ففي مسرح السياسة الدولية حيث الكلمات الدبلوماسية الممنهجة والوعود الهشة ظهر دونالد ترامب الرئيس األمريكي المتمنطق بالسالم من خالل هيمنة الدوالر كـ تاجر بارز والعب محترف بهذا المجال‪ .وهو شخص ال يكترث للبروتوكوالت‪.يحمل أعواد الثقاب في كفه مهددا بحرق ما يمكن حرقه من اي دولة تتقاطع مع مصالحة التجارية ولم تكن أعواد الثقاب في كفه أدوات تدمير عبثية ‪.بل كانت أدوات ضغط حادة تهدف إلى إعادة ترتيب السوق الدولية وفق شروط جديدة يفرضها هو‪.فأن هذا الرجل الذي يتباهى بذكائه التجاري وصراحته المؤلمة‪ .لم يسعى للسالم بالوسائل التقليدية بل اختار طريقا ً أكثر ضجيجاً‪.وهو إثارة األزمة ألمتالك حلها‪ .إن الشرارة التي يهدد بها ليست النهاية‪ .بل هي نقطة البداية ألي مفاوضات حقيقية‪.فأن فن الصدمة النتزاع الصفقة هو افتعالها بذكاء وحركة محورية سريعة وخاطفة وهنا يكمن الذكاء التجاري لدونالد ترامب في فهمه العميق لمبدأ أساسي وهو الشيء يتغير دون صدمة‪ .لقد كان نهجه يقوم على كسر الجمود الدبلوماسي عبر إشعال عود الثقاب في وجه الخصوم وتفجير الموقف‪.فقد كان ترامب األكثر صراحة ووقاحة في كشف نقاط الضعف في االتفاقيات الدولية‪ .فعندما انسحب من اتفاقيات مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ أو االتفاق النووي اإليراني‪ .لم يكن هذا انسحابا ً عشوائيا ً بل كان إعالنا صارخا بأن الصفقة فاسدة ويجب إعادة صياغتها‪ .هذه الصراحة‪ .وإن بدت تدميرية‪ .كانت قوة الدفع التي أجبرت األطراف األخرى على الجلوس إلى الطاولة تحت ضغط جديد‪.

لقد أتقن ترامب لعبة التهديد األقصى اي ضغط التهديد االقتصادي والعسكري‪ .فبمجرد إعالنه عن يوم قيامة تجاري وذلك بفرض تعريفات جمركية أو بتهديدات عسكرية كما حدث مع فنزويال وإيران ودول كبرى مثل الصين وكندا‪ .كان يرفع سقف التوتر لدرجة ال تطاق ليتمكن الحقا ً من تقديم تنازالت تبدو هائلة‪ .في حين أنها في الحقيقة مجرد عودة إلى منطقة المعقول التي حددها هو سلفاً‪.

‫​لقد كانت األزمة في قاموس ترامب هي الرافعة الوحيدة القادرة على تحريك العالم الراكد‪ ​..وها هو ترامب يتحول من العاصفة إلى الهدوء ويمنح نفسه لقب صانع السالم بأسلوب البراند‪.اي من طراز آخر‪​.إن هدف ترامب من إشعال عود الثقاب ليس الحرق بل إحداث الدفء الضروري لـصهر الجليد وإنهاء الخصومة‪ .إنه يرى في نفسه رجل سالم أتى لينهي حروبا تقليدية لم تفلح الدبلوماسية العقيمة في إيقافها لسنين‪.وخطتة األساسية هي تحويل الخصم إلى شريك‪..كما استغل هذا في شراكته مع تركيا وبعض الدول العربية‪.فإنه في اللحظة التي يرى فيها ترامب أن الضغط قد بلغ ذروته يتحول من المحارب األعظم إلى الصديق األكثر ودية‪ .مثال ذلك عالقته الشخصية المفاجئة والعلنية بزعماء كان يصفهم قبل أشهر بـأعداء أمريكا وهو ما يعتبر ذكاء في تصفير الخالفات وتحويل العداوات التاريخية إلى لقاءات فردية مثمرة‪..اذا انه سالم الصفقات‪.وأنه سالم المليارات‪ .لم يكن ترامب يبحث عن سالم مثالي بل عن سالم وظيفي يحقق من خاللها صفقة مربحة بالنسبة له و لخصمه المباشر‪.لذلك نرى مبادراته في الشرق األوسط‪ .على سبيل المثال‪ .كانت تهدف إلى تجاوز القضايا الشائكة التي تعطلت العقود‪ .واالنتقال مباشرة إلى اتفاقيات التطبيع التجاري والسياسي‪.

ليسجل اسمه في التاريخ على أنه منجز الصفقات التي ال تنجز‪​.لقد كانت الشرارة في يده ليست سوى إشارة لبدء العد التنازلي إلغالق الصفقة وليس إلطالق حرب شاملة‪.و​بصرف النظر عن الجدل الذي يثيره هذا الرجل يظل ترامب ظاهرة تعلم الدبلوماسيين أن القوة في العصر الحديث ليست بالصواريخ فحسب بل بالقدرة على إثارة الفوضى المنظمة للوصول إلى غايات محددة‪ .لقد كانت أعواد الثقاب في كف ترامب تحمل رسالة واضحة مفادها إذا لم تغير قواعد اللعبة سأحرق الطاولة وما عليها‪ .وفي هذا السياق‪ .لم يكن

ترامب نذير يوم القيامة‪ .بل كان الرجل الذي يضرب األرض لتبدأ الحقبة الجديدة‪ .حتى لو كان ثمن هذا التغيير هو فوضى مؤقتة وغير مسبوقة‪...انه الداهية‪...انه انكوندا التجارة العالمية‪.التي تبتلع ماتجد أمامها من فرائس‪.


مشاهدات 38
الكاتب هاشم ذياب الجنابي
أضيف 2025/12/09 - 2:23 PM
آخر تحديث 2025/12/13 - 3:18 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 128 الشهر 9171 الكلي 12793076
الوقت الآن
السبت 2025/12/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير