مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والنضال
آمال الزهاوي..نخلـة الشعر الباسقة
محمد علي محيي الدين
في بيتٍ تتضوع منه رائحة العلم والأدب وعبق السلالة الزهاوية العريقة، وُلدت الشاعرة آمال عبد القادر صالح محمد فيضي الزهاوي في بغداد سنة 1946. جاءت إلى الدنيا وفي عروقها يسري مجدٌ موصول بالأدب والفقه والريادة الفكرية؛ فجدها مفتي بغداد الشيخ محمد فيضي، وعمّها الشاعران الكبيران جميل صدقي الزهاوي وإبراهيم أدهم الزهاوي، وأصولها تمتد إلى أمراء السليمانية الذين جمعوا بين السيف والقلم، وبين الفروسية والمعرفة.
نشأت آمال في هذا البيت العامر بالفكر والوجدان، فكان من الطبيعي أن تفتح عينيها على ضوء الكتب وأنين القصائد، وأن تتلقى أولى دروسها على أيدي من جعلوا الكلمة عقيدة وسلوكًا. وبعد أن أنهت دراستها الأولية، التحقت بـ كلية الآداب – قسم اللغة العربية، وتخرجت لتبدأ مسيرتها بين الصحافة والتدريس، حاملة في داخلها بذرة الشعر التي ما لبثت أن أنبتت غصونها الأولى في حديقة الشعر العمودي، قبل أن تميل إلى أفقٍ أرحب هو الشعر الحرّ، بتأثيرٍ من روح جبران خليل جبران وعمق جبرا إبراهيم جبرا.
نُشرت قصائدها وقصصها في كبريات المجلات العراقية والعربية، وكتب عنها عدد من النقاد، مشيدين بخصوصية صوتها وثراء عالمها الشعري. صدر لها العديد من الدواوين التي تشكل سجلًا حافلًا بالتجربة والرؤيا، منها: «الفدائي والوحش»، «الطارقون بحار الموت»، «دائرة في الضوء ودائرة في الظلمة»، «أخوة يوسف»، «التداعيات»، «يقول قس بن ساعدة»، «أزهار اللوتس»، «تباريح بني عذرة»، «من فيوضات آمال الزهاوي»، «آبار النقمة»، «الشتات».
ولنزعتها الإنسانية وحرصها على احتضان المواهب الشابة، أنشأت مع زوجها عداي نجم في ثمانينيات القرن العشرين دار عشتار للطباعة والنشر، التي أطلقت من خلالها منشورات آمال الزهاوي، فكانت جسرًا عبَر عليه الشعراء الشباب إلى الضوء، وملاذًا للأحلام التي لم تجد من يتبناها لولاها.
كانت الزهاوي تنظر إلى الشعر بوصفه مرآة العصر وضمير الأجيال.
تقول عن الحركة الشعرية: « إنها زاخرة بالمبدعين، غير أن الضجيج الذي يملأ المرحلة يربك السمع والبصيرة. ومع ذلك، فقد وفّرت التكنولوجيا وسائل أعظم للنشر والتواصل، فالشباب اليوم أقرب إلى الشعر وأكثر اطلاعًا، ولكل زمن أدواته وظروفه».
وحين تُسأل عن قصيدة النثر، تجيب بثقة العارفة: «الموسيقى ضرورة للشعر، وأنا أملك القدرة على نظمها كيفما أشاء. فكيف أفرّط بها؟ ليست كل قصيدة نثر قادرة على حمل الإيقاع الداخلي، لكنّ القليل منها ينجح حين تمتزج الصورة بالموسيقى واللغة المكثفة، وهناك يكمن الجمال».
ابار النقمة
كانت ترى في ديوانها «آبار النقمة» مرآةً للاحتلال وما جرّه من ويلات، وفي «الشتات» تجسيدًا دقيقًا لسنوات الحصار والجوع والطائرات التي قصفت وطنها، وتقول عن تجربتها: «الشعر هو النبض الذي يوحّد الزمان والمكان، وفيه تتجسد الحالة الشعرية ككائن حيّ يتوهج بالحياة». ومن هنا لقّبها النقاد بـ «شاعرة البنفسج» و«شاعرة العراق» و«نخلته الباسقة».
كتب عنها الناقد هادي الحسيني قائلًا: «تأثرت في بداياتها بنازك الملائكة، لكنها سرعان ما وجدت صوتها الخاص في الستينيات، تلك المرحلة المفصلية في تاريخ الشعر العراقي.
مرآة الروح
كتبت في الحب والثورة والسياسة والتصوف، وكان ديوانها الأول الفدائي والوحش (1969) صرخة في وجه الاحتلال، ثم واصلت إصدار دواوينها الجريئة التي فاقت الأحد عشر، فكان شعرها مرآةً لروحٍ حرةٍ تصرخ بالحق والصفاء».
أما رحمة الراوي فرأت أن أنوثة الزهاوي انعكست في شعرها كما ينعكس ضوء الرافدين على وجه بغداد، حيث امتزج الجمال بالحزن، والعنفوان بالخذلان. واعتبرها الشاعر وليد الصراف واحدة من رباعية الشعر النسوي في العراق إلى جانب نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس عمارة.
وكتبت عنها الدكتورة بشرى البستاني في تأبينها بعنوان وداعًا شاعرة العراق الكبيرة آمال الزهاوي: عاشت آمال بين نارين: نار الروح الباحثة عن المعنى، ونار الحروب والاحتلال. كتبت عن فلسطين في الفدائي والوحش، وعن المحنة العربية في أخوة يوسف، وعن الأسى الوجودي في التداعيات. كانت مخلصة للفن، مجددة في الشكل والمضمون، ومعبّرة بصدق عن المرأة العراقية في مجتمعٍ يثقلها بالتقاليد».
نال شعرها اهتمام الباحثين، فكانت موضوعًا لعدد من الرسائل الجامعية، منها: رسالة الماجستير «التناص في شعر آمال الزهاوي» للباحث ماهر هاشم إسماعيل (جامعة مؤتة – 2016). رسالة الماجستير «شعر آمال الزهاوي: دراسة أسلوبية» للطالبة نور محمد (جامعة بغداد – 2018).
رسالة الماجستير «الآخر في شعر آمال الزهاوي» للطالبة خالدة حسين (جامعة ديالى – 2023).
كما صدر عنها كتاب «شعر آمال الزهاوي: دراسة موضوعية فنية» للدكتور عمار الشبلي (جامعة ديالى – 2018)، أشار فيه إلى أن قصيدتها تتسم بـ«وحدة عضوية تامة، تجمع بين الموضوع والشكل في نسيج شعري متكامل ينمو تدريجيًا حتى يبلغ ذروته الفنية».رحلت آمال الزهاوي عن الدنيا في 11 شباط 2015، بعد مسيرةٍ امتدت لعقود من العطاء الشعري والنضال الجمالي، وشيّعتها الأوساط الثقافية في العراق والعالم العربي بالحب والاعتزاز. بقيت كلماتها تسكن الذاكرة، كما تبقى نخلة العراق الباسقة شامخة في سماء الشعر، تثمر كلما ذُكر اسمها، وتورق كلما أُعيد إنشاد قصائدها.