الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أزمة المياه في العراق..  تحديات حيوية وجهود حثيثة للمواجهة

بواسطة azzaman

أزمة المياه في العراق..  تحديات حيوية وجهود حثيثة للمواجهة

رجاء حميد رشيد

 

يواجه العراق تحديًا متصاعدًا يتمثل في أزمة مائية خانقة، نتجت عن تراجع حاد في واردات المياه من دول المنبع، إلى جانب التأثيرات المتزايدة للتغيرات المناخية، وقد انعكست هذه الأزمة بشكل مباشر على القطاعات الحيوية في البلاد، لاسيما الزراعة والبيئة والأمن الغذائي.وأكدت مدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة نجلة محسن الوائلي ، أن الوضع المائي في العراق بلغ مرحلة حرجة تستدعي تحركًا عاجلًا على المستويين الوطني والدولي، محذرة من تداعيات بيئية واقتصادية واجتماعية خطيرة ما لم تُتخذ خطوات فاعلة لمعالجة أسباب الشحة المائية وضمان حقوق العراق المائية،وأشارت إلى، أن تراجع الواردات المائية للعراق أدى إلى زيادة نسب التلوث نتيجة انخفاض القدرة على تخفيف الملوثات في المياه السطحية، وخاصة في نهري دجلة والفرات.

أسباب شحة المياه

وأوضحت أن أسباب شحّة المياه تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية: إدارة المياه من دول المنبع وسياسات دول الجوار، فالعراق يُعد دولة مصب للمياه الواردة من الجانب التركي في نهري دجلة والفرات، كما أن هناك عددًا من المغذيات والروافد التي تأتي من الجانب الإيراني، إن إدارة المياه في هذه الدول وعلاقاتها مع دول المصب لها تأثير كبير، كون كميات المياه الواردة منها تتجاوز 88% من إجمالي المياه التي تصل إلى العراق، في ظل عدم الالتزام بتزويد العراق بحصص مائية عادلة أو الالتزام بمبدأ تقاسم الضرر، ففي الوقت الذي تحتفظ فيه السدود التركية جنوب البلاد بخزين مائي يتجاوز 80 مليار متر مكعب، لا يتجاوز الخزين الكلي في السدود العراقية 6 مليارات متر مكعب.

والسبب الثاني :هو كيفية إدارة المياه داخل العراق من خلال الوزارات المعنية باستخدامات هذه المياه، مثل الزراعة، والبلديات، والنفط وغيرها. وتقوم وزارة البيئة بالمشاركة مع الوفود التفاوضية، برئاسة وزارة الموارد المائية، بالتنسيق مع الجانب التركي حول كمية المياه الواردة إلى العراق، حيث كانت تصل سابقًا إلى 900 متر مكعب في الثانية، أما الآن، فقد وصلت في العام الماضي إلى 350 مترًا مكعبًا، وكانت هذه بداية الجفاف وانخفاض مناسيب المياه، وفي عام 2025، أصبحت مناسيب المياه وكمياتها شديدة التذبذب، إذ وصلت أحيانًا إلى 120 مترًا مكعبًا فقط، وهو ما انعكس تأثيره على زيادة التلوث في العراق، فكلما انخفضت مناسيب المياه، زاد التلوث، كما أثّر ذلك على المناطق الزراعية ومحطات مياه الشرب، حيث أدى تلوث المياه إلى توقف بعض محطات الشرب في عدد من المحافظات، وهي المحافظات الأكثر تضرراً في مواجهة التغير المناخي، لا سيما في المناطق الجنوبية.والسبب الثالث هو التغيرات المناخية: التي ساهمت في تراجع معدلات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، مما زاد من معدلات التبخر وأثر سلبًا على الواقع البيئي والمائي في البلاد.ووصفت الوائلي آثار هذه الأزمة على الأمن الاقتصادي والاجتماعي والصحي وهو التحدي الأشد، إلى جانب تحديات أخرى كالجفاف، وتدهور الأراضي، وزيادة العواصف الغبارية، وفقدان سبل العيش، والتنوع البيولوجي، وانهيار نظم بيئية كاملة مثل بيئة الأهوار.

الآثار الاجتماعية والبيئية

وأوضحت الوائلي (تترتب على الأزمة المائية آثار بيئية وصحية واجتماعية خطيرة، أبرزها الهجرة من المناطق الزراعية والأهوار إلى المدن، مما يزيد الضغط على البنى التحتية، ويرفع نسب التلوث نتيجة الكثافة السكانية، ويؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية، وفقدان الأسر لسبل العيش، فضلًا عن بروز مظاهر التطرف التي قد تؤدي إلى العنف والإرهاب، إضافة إلى توجه بعض السكان إلى أعمال يُعدّونها غير لائقة بعد أن كانوا يمتهنون مهناً خاصة بهم في الصيد والزراعة).ولفتت إلى (تأثير شحّة المياه على المرأة، حيث بدأت تعاني من التعنيف والاضطهاد وفقدان عملها، خاصةً أن المرأة في المناطق الريفية والأهوار تكون هي المسؤولة عن إعالة عائلتها، وتشكل محور الأسرة في توفير كافة الاحتياجات).

وأضافت أن استمرار تركيا في موقفها هذا دفع العراق إلى طرح فكرة «أذناب» نهري دجلة والفرات وتأثيرها على الثروة السمكية في الخليج العربي، وكذلك تأثير دول الخليج في هذا الموضوع، وقد بدأنا بإطلاق حوارات مع دول الخليج لدعم العراق في حصوله على حصته المائية وحقه التاريخي في مياه نهري دجلة والفرات.وشددت الوائلي على أن الحكومة العراقية تبذل جهودًا حثيثة للتوصل إلى اتفاقيات مع تركيا تضمن الحصة المائية الطبيعية للعراق، مشيرة إلى وجود تفاهمات بين الطرفين، لكنها غير كافية، إذ يطالب العراق بزيادة الإطلاقات المائية لمواجهة التحديات الحالية،وأكدت أن التفاوض مع تركيا يُعد ضرورة ملحة لضمان حقوق العراق المائية.وأشارت إلى ضرورة التفنّن في أدوات التفاوض، مشيرة إلى أن من بين ما تعمل عليه وزارة البيئة هو إعداد وثيقة حول بؤر الزلازل، لأن العراق لا يحتوي على أي منطقة أو بؤرة زلزالية إلا أنه، ومنذ نحو 15 عامًا، بدأ العراق، وخصوصًا في المنطقة الشمالية وحتى بغداد، يتعرض لضربات زلزالية بدأت تتزايد على مقياس ريختر، ويُعزى ذلك إلى وجود سدود عملاقة يجري بناؤها في الجانب التركي دون توقف،وفي كل اجتماع تفاوضي مع الجانب التركي، يتم إبلاغ الوفد العراقي بنيّتهم بناء سدّين آخرين، وجميعها تقع على الحدود التركية العراقية، مما ينعكس تأثيره على الجانب العراقي.

وأضافت أن (العراق مهدد بفقدان ثروته السمكية الأصيلة، وهو ما يشكل تهديدًا للأمن الاقتصادي، لذلك، يجب التحرك بملفات مهمة تتعلق بالاقتصاد، والأمن الوطني، والأمن القومي، فجميع هذه الملفات متأثرة ومرتبطة بالحصص المائية، ويجب أن يحصل العراق على حقه التاريخي والقانوني وفق الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، وضمان حصوله على كميات كافية من المياه).

التنوع البيئي

وأوضحت الوائلي أن تأثير شح المياه انعكس بشكل مباشر على النظام البيئي في البلاد، إذ يُعد العراق فريدًا من نوعه لاحتوائه على ثمانية أنظمة بيئية تختلف عن تلك الموجودة في الدول المجاورة، ويتميز بتنوع بيئي ونوعي كبير، يشمل التنوع البيولوجي الحيواني في البيئة الصحراوية، والأهوار، والمياه، وبيئة السهول، والجبال، والصحاري، هذا التنوع بدأ العراق يفقده تدريجيًا.

وحاليًا، نحن في وزارة البيئة بصدد تنفيذ مشاريع للحفاظ على هذا التنوع قدر المستطاع، من خلال إنشاء محميات مسيّجة لتكثير الأنواع المهددة بالانقراض، وإنشاء محميات طبيعية، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وجميع هذه المشاريع تتوقف على توفر كميات معتدلة من المياه.

وتابعت :كما نعمل بالتعاون مع الوزارات التي تستخدم المياه على تحديث خططها،فعلى سبيل المثال، بدأنا بالتنسيق مع وزارة الزراعة لتغيير نظام الري السيحي القديم، الذي لم يعد مجديًا، والاتجاه نحو استخدام طرق بديلة مثل الري بالتنقيط أو الرش، وحتى استخدام البوليتير، وهي مواد عضوية صديقة للبيئة لا تحتاج إلى ري يومي للنباتات، بل مرة كل أسبوعين، مما يسهم في ترشيد استهلاك المياه وزيادة إنتاجية الأرض.

كذلك، يجري اعتماد أساليب زراعية حديثة مثل الزراعة الحافظة، والزراعة البيئية وغيرها،ويتم أيضًا العمل مع محطات مياه الشرب لتحسين إدارتها وضمان جودة المياه، ونعمل بالتعاون مع اليونيسف على مشروع «العودة إلى مياه الحنفية» كما كان الحال في سبعينيات القرن الماضي، ونحن الآن في مرحلة إعداد فقرات التنفيذ.

كما يجب أن يُولى اهتمام خاص بالمناطق الأكثر تضررًا، وخاصة المحافظات الجنوبية، فالبصرة، تعاني أوضاعًا صعبة لاعتمادها على محطات RO التي تسحب المياه من الخليج، وينبغي إنشاء محطات مياه شرب صالحة للاستهلاك البشري في تلك المناطق.

وأكدت على أن الحكومة ماضية في دعم هذه المشاريع لمعالجة المشاكل البيئية، ومنها تكثير الأسماك في الأحواض الطينية، حيث صدر أمر بإلغاء جميع الأحواض الطينية والتحول إلى النظام المغلق في تكثير الثروة السمكية، وهذا لا يسبب أي تلوث لأنه لا يحتاج إلى تغيير المياه بشكل مستمر بفضل وجود فلاتر بيولوجية وكيميائية،كما أن هذا النظام في تكثير الثروة السمكية أكثر إنتاجية، فالحوض الطيني يعطي مثلاً طنًا من الأسماك، في حين أن النظام المغلق يعطي خمسة أطنان، مما يعني زيادة في الاقتصاد وزيادة في توفير فرص عمل مثالية لسكان المناطق المحرومة من كميات كبيرة من المياه والمناطق الفقيرة بالمياه مثل السماوة والديوانية وغيرها،كلنا نعمل معًا لتخطي هذه الأزمة كلٌ حسب عمله، ومن الضروري أن يكون المواطن العراقي واعيًا بأهمية المياه وعدم هدرها في استخدامها في المنازل.

وأشارت إلى ان (القرار الحكومي الصادر نهاية شهر أيلول بشأن التفاوض مع أنقرة عبر القنوات الدبلوماسية فقط، وبيّنت أن هذا القرار يمثل موقف الدولة الرسمي، ويُعد خطوة مهمة نحو حل الأزمة، مشددة على أن وزارة الخارجية هي الجهة المخولة بهذه المهمة.

واختتمت حديثها بالتأكيد على أن الحل الدائم لأزمة المياه يتطلب تعزيز التعاون الثنائي بين العراق وتركيا من خلال التفاوض المستمر، وتوقيع اتفاقيات تضمن الحقوق المائية لكلا البلدين، بالإضافة إلى تبادل الخبرات في مجال إدارة الموارد المائية، وتنفيذ مشاريع مشتركة لتحسين الواقع المائي في المنطقة).


مشاهدات 112
أضيف 2025/11/14 - 11:22 PM
آخر تحديث 2025/11/15 - 5:17 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 517 الشهر 10823 الكلي 12572326
الوقت الآن
السبت 2025/11/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير