أنيس عبيد رائد ترجمة الأفلام الأجنبية للعربية
بيروت - غفران حداد
(تمت الترجمة في معامل أنيس عبيد)، جملة كثيرا ما كنا نشاهدها في نهاية الأفلام الأجنبية قبل ظهور الانترنيت والقنوات الفضائية، وبقيت راسخة في أذهان أجيال الخمسينات حتى التسعينات .
كان أنيس عبيد (1909-1988) صنع أهم مؤسسة عربية لترجمة الأفلام الأجنبية ، تخرج مهندساً وسافر إلى باريس للحصول على شــــــهادة الماجســــــــــتير وخلال الجامعة قرأ بالصدفة إعلانا عن دورة لتعليم طباعة ترجمة الأفلام ومن يومها قرر أنيس التوجه إلى ترجمة وطباعة الأفلام، عاد إلى مصر لبدء التجربة في بلاده لكنه خاض حربا مع صناع السينما وشركات الإنتاج لاقناعهم بالفكرة.وافقوا لكن بشرط أن تكون الترجمة فرنسية حيث كان رواد الأفلام معظمهم فرنسيين وعينوه موظفاً.في عام 1939 صدر قرار بطبع الترجمة العربية على الأفلام ولكن قيام الحرب العالمية منح الموزعين حجة لتنفيذ التأجيل ولكن تحقق حلمه بعد نهاية الحرب .في عام 1944 عرض أول فيلم مترجم من معامل أنيس عبيد من اللغة
الانكليزية إلى اللغة العربية وكان فيلم (روميو وجوليت) الذي قام ببطولته ليسلي هيوارد، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا في دور العرض المصرية حيث لأول مرة يتابع الجمهور فيلما أجنبيا مترجما وظهرت الترجمة بشكل سلس أسفل الشاشة وبسطر واحد بشكل لا يفصل المشاهد عن المتابعة ، ثم ترجم افلام مهمة وذات شعبية كبيرة مثل فيلم (لص بغداد )،و(ذهب مع الريح).
نشاط عبيد أصبح مميزا عن طريق آلة صنعها بنفسه ومن خلال هذه الآلة طبع الترجمة على الشريط السينمائي وكان عبيد من أوائل من دمجوا على فيلم 16 ملم في العالم ، فلاقت تجربته إقبالا من بلدان عدة سعت لشرائها بألف جنيه استرليني.
لم تقتصر معامل عبيد للترجمة على ترجمة الأفلام الأجنبية العربية بل ترجمة الأفلام المصرية إلى لغات أخرى ، وفي عام 1964 صدر أمر من الرئاسة المصرية على اعتماد معامل أنيس عبيد للترجمة في ترجمة جميع الأعمال السينمائية والتلفزيونية .
كان يلزمه البعض انه مؤسس نظرية ترجمة الشتائم الأجنبية الشتائم ما قبل ظهور الإسلام مثل(يالكَ من وغد وتبا لك) ولكن وضع شتائم لا تخدش الحياء مكان بعض الكلمات الى الفيلم الأجنبي بالنسخة الاصلية بشكل يناسب عادات وتقاليد الإسرة العربية وبقيَّ طوال سنوات نشاطه يستخدم الكتابة الراقية والمفردات السهلة ونجح في تحويل اللهجات في ترجمات الأفلام إلى لغة واحدة دون السقوط في استخدام اللهجات المحلية.
فأصبح عبيد من قادة الترجمة و التنوير الثقافي والإجتماعي في القرن العشرين وكان واحد من رجال الوطن العربي القلائل الذين قاموا في توصيل مفاهيم الأفلام الأجنبية إلى الملايين من الجمهور بعد أن انتهى عصر السينما الصامتة في أميركا عام 1926 وكان فيلم « أولاد الذوات» أول فيلم مصري ناطق وقدم في دور العرض للجمهور عام 1932.
في زمن عبيد لم يستطع أحد منافسته في مجال ترجمة الأفلام الأجنبية للعربية ولكن جاء رجال عملوا في مجال الترجمة بخط مشابه لمسيرته الرائدة ولكن في مجال الأدب وهو حلمي مراد مؤسس سلسلة «كتابي» ثم «مطبوعات كتابي « وأيضا عمر عبد العزيز أمين المترجم الذي أسس كتاب الجيب عام1936 ومن بعده مجلة «الاستديو» حيث هذان الرجلان وضعا حجر الأساس للمعرفة وارغما القاريء العربي على اقتناء الكتب بأسعار زهيدة وحملها بأحجام صغيرة و بطرق سلسلة وبسيطة.
توفي أنيس عبيد في عام 1988 عن عمر يناهز 79 عاماً تاركا لنا إرثا سينمائيا مترجما على مدى أربعين عاماً، نقل روائع السينما ودخل البيوت المصرية والعربية بلا دون ضجيج ومن أكثر الأبواب فناً ورسوخاً ، ومازالت معامله موجودة في القاهرة ويتولى ابناءه ادارتها بعد ان تطورت طريقة طباعة ترجمة الافلام بإستخدام الليزر.