ماكرون يمنح آخر بائع متجوّل للصحف وسام الإستحقاق الوطني
باريس - سعد المسعودي
في حي السان جيرمان القريب من الحي اللاتيني المرموق في باريس، يتجول علي أكبر من أصول باكستانية « «73» عاما حاملاً الصحف اليومية التي يبيعها على أرصفة المقاهي والمطاعم بعد أن أمضى أكثر من 50 عاماً في هذه المهنة , والذي سيتم تكريمه من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. اذ تلقى «علي أكبر « رسالة من ماكرون يُعلن فيها منحه وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس. وهي مكافأة تليق بالرجل الذي يجوب شوارع «سان جيرمان دي بري» منذ أكثر من 50 عامًا.
وُلد علي في باكستان، ووصل إلى فرنسا على متن قارب في سن العشرين، ووجد نفسه يغسل الصحون في مطعم بروان (سين ماريتيم). وخلال زيارته لباريس، التقى ببائع متجول في الحي اللاتيني شجعه على مهنة بيع الجرائد في الحي اللاتيني الذي يطلق عليه الحي الثقافي والسياحي , ومن ثم توالت الأيام وقد أدت سلسلة من الأحداث إلى لقائه بفريق صحيفة «شارلي إبدو» الساخرة والتي تعرضت الى عملية ارهاب في باريس في 7 كانون الثاني 2015, أدى هذا الهجوم إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 11 آخر وهم طاقم التحرير وصحفيون آخرون متعاونون في الكتابة للصحيفة الساخرة .
ثم بحث كثيرا عن سكن ولم يجد واستطاع أن يقيم مع زوجين بالقرب من كنيسة «سان سولبيس «، والأهم من ذلك، استطاع ان يستمر بمهنة البائع المتجول للصحف في العاصمة باريس وتحديدا في «الدائرة السادسة « جي السان جيرمان والحي اللاتيني «سان ميشيل لصالح الصحيفة الساخرة والاكثر مبيعا لمواضيعها الناقدة بدون حدود وخوف ولاسيما بعدما تعرضت للهجوم الأرهابي , ثم أحاط به حوالي أربعين زميلًا، مثله يبيعون الصحف ، يرددون أخبار اليوم في شوارع العاصمة. لكن على أكبر يقول أختفوا جميعًا شيئًا فشيئًا ومنهم من دولا افريقية ورومانيا وكذلك عراقيون هاربون من سجون صدام ، ومازلت أمارس رياضتي اليومية لأنني أحب المشي والتحدث مع الناس، لذلك واصلت المسير».
بعد انتقاله إلى فرنسا عام 1973، أقدم علي أكبر على بيع الصحف مستخدماً مزيجاً من الفــــــــكاهة والحيوية لجذب السكان المحليين والتغلب على تراجع المبيعات.
وفي أيلـــــــول الجــــــــــــــاري، سيمنحه ماكرون وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس، وهو من أهم الأوسمة التي تمنحها فرنسا تكريما للإسهامات المتميزة في المجالين المدني أو العسكري.
بدأ أكبر، وهو من مواليد مدينة روالبندي في شمال باكستان، ببيع نسخ من مجلة شارلي إيبدو الأسبوعية الهزلية للطلاب في جامعة الســــــوربون والمؤسسات المجاورة.
وتراجعت مهنة بيع الصحف على الأرصفة في باريس بدءا منذ سبعينيات القرن إذ أصبح التلفزيون تدريجيا مصدرا رئيسيا للأخبار بدلا من الإصدارات المطبوعة، وهي العملية التي تسارعت مع ظهور الإنترنت.
لكن أكبر، آخر بائع صحف لا يزال يتجول في شوارع العاصمة الفرنسية، نجح في الحفاظ على هذا التقليد حيا بابتسامته الدائمة، وحسه الفكاهي المرح، وتفانيه الكبير.
وقال أكبر «ببساطة.. أعشق ملمس الصحيفة... لا أحب الأجهزة اللوحية وما شابه ذلك. لكنني أحب القراءة... كتب حقيقية. وليس أبدا على الشاشات».وأضاف «لدي أسلوب خاص في بيع الصحف. ألقي النكات، ليضحك الناس. أحاول أن أكون إيجابيا وإضفاء طابع خاص... أحاول كسب محبة الناس، لا ما في جيوبهم».لكن المهمة أصبحت أكثر صعوبة في عصر النشر الرقمي.ومضي يقول «أبيع نحو 20 نسخة من صحيفة لوموند في غضون ثماني ساعات.. كل شيء أصبح رقميا في الفترة الراهنة. الناس ببساطة لا يشترون الصحف».ورغم كل تلك التحديات، يواصل أكبر بيع الصحف عاقدا العزم على الاستمرار ما دامت صحته تعينه على ذلك.
ويقول كثيرون من سكان الحي اللاتيني إنه أحد الأشخاص الذين يجعلون الحي حقيقيا غير مصطنع.وقالت ماري لور كاريير، إحدى الزبائن «علي بمثابة مؤسسة.. أشتري منه صحيفة لوموند يوميا. في الواقع، لا نشتري منه الصحيفةفحسب، بل نشاركه في شرب القهوة، وأحيانا نتناول معه الغداء».