عنوانات المسؤولين وإبر التخدير
فيصل عبد الحسن
نعم هذه الأخلاق التي لا مثيل لها في السوء من أخلاق كل سياسي العالم، ربما حفظ بعض مستشاري السياسيين العراقيين مقولات شاذة عن السياسة وأخلاقها، وبعضهم يقول أن السياسة لا أخلاق لها، وأن الضمير والسياسة قامتان متعارضتان، ما أن تثقل كفة أحدهما فتهبط، فتعلو الكفة الثانية، فيصير السياسي مرموقاً، باقياً في منصبه ما بقي الدهر، وقد تجذرت جذوره، فصار من الصعب قلعه أو زحزحته عن مكاسبه وغنائمه إلا بقوة خارجية تستعمر البلاد والعباد، وتحرق الأخضر واليابس لتقلعه عن كرسيه، وللكاتب نكولا مكافيللي“ الذي توفى 1527 م” ولكتبه “الأمير” وكتاب أحاديث و“نقاشات حول ليفي” خطط ودستور لهم وهي كتب شؤم، فقد وضع ميكافيلي دستورا وخططا شيطانية لبث الفتن بين الأتباع، وإسكات الرأي العام، عما يحدثه مستشار السياسي الفاسد من تخريب للنفوس، ولأحوال الناس، والأسوأ في التخطيط لما سماه السياسة الواقعية النفعية“كالغاية تبررالوسيلة، وحبي لنفسي قبل حبي لشعبي وبلادي، وأنها متعة مضاعفة عندما تخدع العوام وتكذب عليهم لتنال منفعة ما، فجميعهم مخادعون، ومتعة المتع عندما تخدع المخادع، وأن الدين ضرورة للحكومة لا لخدمة الفضيلة، ولكن لتمكين الحكومة من رقاب الناس وعقولهم وثروات بلادهم.
بقاع الأرض
من أكثر الظواهر الملفتة للنظر ما اشتكى منه الكثير من الأصدقاء والمعارف والقراء في مختلف بقاع الأرض برسائل على بريدي الخاص بسبب خداعهم بعنوانات مزورة لمسؤولين عراقيين كبار يدعون أن بالإمكان إرسال طلبات المواطنين إليهم لحل المشكلات المستعصية، التي لم تجد من مسؤولي الدولة، ومؤسساتها حلا لها، وأخطر هذه العنوانات وأكثرها مدعاة للسؤال عن صحتها أو كونها مزورة، هو عنوان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورقم هاتفه المذكور على الواتس، وإيميله الحكومي الخاص، ويطلب المشرف على هذا البريد أن تضع صور طلبك مع الشواهد المطلوبة، ومستمسكاتك الثبوتية وترسلها على العنوان المذكور وحين تفعل وترسل يستلم كل أوراقك ومستنداتك ويرسل لك رسالة من ثلاث كلمات يقول فيها (تم استلام طلبك).
وتبقى تنتظر نتيجة لطلبك وما قدمته من وثائق دون نتيجة، ولا يجيبك المسؤول عن هذا البريد بل يقرأ ما تبعثه ولا يرد عليك بشيء، ويطول زمن الانتظار من أيام إلى أسابيع وإلى شهور وسنوات دون نتيجة تأتي عن طلبك، فهل هي إبرة تخدير من مكاتب المسؤولين لأصحاب المشاكل من العراقيين أم أنه جهة نصب للاستحواذ على صور وثائق المواطنين لجهة استخبارية لا نعرف عنها شيئا؟ فإن كان هذا فهو أمر خطير فالعنوان هو عنوان أكبر جهة تنفيذية في العراق، رئيس الوزراء؛ فما هي الحكاية أذن؟ فإن كانت إبر تخدير، وليست جهة أجنبية تعبث بمشاعر المواطنين لتأجيج غضب الناس من أكبر جهة تنفيذية في العراق فالمصيبة أعظم والاختراق أخطر بكثير من كل مشاكل المواطنين وحلولها؛ وعلى الجهة التنفيذية تداركها والبحث عمن ورائها، وإن كانت العنوانات صحيحة لمكتب رئيس الوزراء، وهي وسيلة تخدير لامتصاص غضب أهل الحقوق من الحكومة، فهذا يدل على ترد خطير لأخلاق السياسيين العراقيين، الذين ظهروا على ساحة السياسة، وامتلكوا قرار البلاد، وكتبوا بتواقيعهم مصير أراضيها وثرواتها وسمعتها وشعبها.
كاتب مقيم بالمغرب