الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صرخة في وجه الخراب

بواسطة azzaman

صرخة في وجه الخراب

ثامر محمود مراد

 

في الأزمنة التي يختلط فيها صخب الوقائع بدخان الخيبات، تصبح الكتابة فعلًا يتجاوز حدود البلاغة أو زخرفة المعاني، لتغدو موقفًا، وربما صرخة في وجه الخراب. الكاتب في مثل هذه اللحظات لا يوزع نصائح، ولا يعلّق على جدران اليأس حِكَمًا محفوظة؛ بل يكتب لأنه لا يستطيع أن يصمت، يكتب لأن الكتابة، في جوهرها، مقاومة للخذلان، ومحاولة يائسة لإضاءة شمعة وسط عتمة تتكاثر.

إنها ليست دعوة للنجاة بقدر ما هي إعلان للبراءة. الكاتب الحقيقي لا يتواطأ، ولا ينحني، ولا يوقّع على أوراق التبرير. قلمه شاهد وشهيد. يشهد على ما يجري، ويدفع ثمن شهادته في العزلة، أو في التجاهل، أو في المصادرة. لكنه لا يتوقف، لأن صمته سيكون جريمة أكبر من صراخه.

وما أشد قسوة الطريق حين يغيب الضوء، لا لأن النور غير موجود، بل لأن العيون قد أُغلقت عن عمد، واستُبدلت بالبصيرةِ حجارةٌ لا تُبصر سوى مصالحها. في هذا الزمن، يظل الكاتب وحده، حاملاً بريقًا من فكرة، أو ومضة من وجدان، يحاول أن يدلّ بها التائهين إلى ممر آمن، أو إلى بداية خلاص.

فليس كل برق خادع، وليس كل من يكتب يسعى إلى التصفيق. ثمة من يكتب ليقول: “أنا لم أكن جزءًا من هذا الظلام”. يكتب ليشهد للتاريخ أنه حاول، أنه أشار، أنه نبّه، وإن لم يُصغِ إليه أحد.

وهكذا، تظل الكتابة، في أقسى الظروف، طقسًا من طقوس الطهارة، وأداة للنجاة المعنوية، حتى لو لم تُغيّر الواقع، فإنها تحفظ للكاتب إنسانيته. والكاتب في زمن الفوضى لا يبحث عن مجد، بل يبحث عن نفسه بين الركام.

 

 

 

 

 


مشاهدات 118
الكاتب ثامر محمود مراد
أضيف 2025/07/19 - 1:12 AM
آخر تحديث 2025/07/21 - 1:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 119 الشهر 13291 الكلي 11166903
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير