الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من مخطوطتي السردية.. السيرة الذاتية لطلال الغوار

بواسطة azzaman

من مخطوطتي السردية.. السيرة الذاتية لطلال الغوار

النهر

     أوّل مشاهدة لي , في طفولتي , كانت النهر. رأيته يغذ جريانه بقوة نحو البعيد , ودونما توقف .  أدهشني ذلك المنظر, لتنشا لي علاقة روحيّة معه ، مع موجاته , وشاطئه الحصّوي , وجزره التي تتوسط النهر , وشجيرات الطرفة المتباعدة على ضفافه. ففي الفجر كثيراً ما كنت أسمع هدير جريانه , ليبعث في نفسي شيئاً من الفرح .  وكأني أرى بهجة الحياة من خلاله ، وعلى الرغم من هذه العلاقة الحميمية مع النهر,  فانه ترك أثراً حزيناً في نفسي , ما زلت أتذكره إلى يومنا هذا.

ففي أحد أيام الصيف الحارة . كنّا نشكّل مجموعةً , نحن الصغار, (بناتاً وولداناً ) , ونمضي إلي النهر في الظهيرة كي نستحم عند ضفافه هرباً من الحرِّ, من دون أن نمضي إلى العمق لأننا لم نتعلم السباحة بعد . ونحن في دواّمة  الصياح المعبر عن بهجتنا ,  والركض على الضفاف , لنعود نتراشق في ما بيننا بالماء , والبعض الآخر يعوم عند الضفاف , لكنّ النهر وفي غفلةٍ منّا , سرق الصبيّة ( ليلى)  , وطواها بموجاته ,ليلى التي كانت اكبر منّا سنّاً. وحين أحسسنا أن ليلى لم تكن بيننا , صرخنا وناديناها مراراً باسمها, لكن النهر كان عنيداً,  لم يلتفت لنداءاتنا وصياحنا.

عدنا إلى بيوتنا  من دون ليلى .

 عرزال فوق الشجرة    

      أذكر شجرة التوت القريبة من البيت , كثيفة الأغصان والأوراق , تحسبها غابة صغيرة محلّقة تحتضن فوضى اصطفاق أجنحة الطيور , وأصواتها المختلفة , وكثيراً ما كنّا نفيء بظلالها مبتعدين عن حرارة الشمس , عند الظهيرة .      مرّة دفعني هاجس أن أبني “ عرزالاً “ صغيراً فوق الشجرة ,  ففعلت ذلك بربط الأغصان بعضها ببعض , وجعلتها مقوّسة , بحيث تشكّل قبّة من أغصانها وأوراقها الكثيفة , وجعلت لها فتحة مستطيلة تواجه الفضاء , وتطلُّ على الدروب والساقية التي تجري تحتها , وعلى مقربة من الطيور التي تحطُّ على أغصانها , وقد تمادى خيالي  بأن أتآخى مع الطيور وأقيم علاقة معها , وتتحوّل إلى طيور أليفة . ولم يمض  يومان على إكمال “ العرزال “ حتى جئت عند الظهيرة وحدي , وتسلّقت الشجرة ثم اختبأت فيه , غير أنَّ الطيور اكتشفت وجودي , فجعلتها  تستغرب  المكان , وينتابها الفزع , لتنفر منه  وترفض أن تحطَّ على أغصان الشجرة , فترتد هاربة في الفضاء , ولم  تكتشف الطيور أمري وحدها فقط , فقد جاء أحد أصدقائي وهو “ حاجم خميس”  واكتشف أمري حين جلس تحت الشجرة ينتظرني , لأننا تعودنا , في كثير من الأيام ,  أن نجلس تحتها , ونتسلقها أحياناً , لنتخذ مكاناً فوق أحد غصونها القوية والغليظة , وحينما لم يرني , أخذ يتلفّت يمنة ويسرة ,  وعندما حاول النهوض , دُهش وأنتابه  الفزع , ففرَّ هارباً , عندما غيرت من نبرة صوتي , وناديته باسمه .

وصول الخبر

ولكني استدركت الأمر سريعاً , وكررت ندائي بصوتي الحقيقي , فألتفت نحوي  مستغرباً عن ما فعلته , وعندما نزلت من الشجرة , كشفت له سرَّ رغبتي , لكنه لم يكن أميناً على ما ساررته , فأشاع ذلك بين أقراننا حتّى وصل الخبر إلى والدي  الذي سألني عما فعلت , لكن ابتسامته التي كانت تغطي وجهه , أزاحت عنّي  الخوف والخجل , وحين أجبته بابتسامتي , قال : وكأنه يتحدّث مع نفسه : هذا خيالك إلى اين سيأخذك ؟!


مشاهدات 86
أضيف 2025/07/13 - 2:33 PM
آخر تحديث 2025/07/14 - 6:18 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 186 الشهر 8431 الكلي 11162043
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير